الفرق لا محالة. والصحابة ﵃ أعقل الناس، وما تركوا دينهم الذي كانت عليه الآباء إلا بما وضح من كلامه تعالى، ولو لم يكن عند النبي ﷺ إلا ما يشبه الأحاديث القدسية ما آمن من الناس أحد، ولكن الذي ظلت له الأعناق خاضعة هو القرآن العزيز الذي هو كلام الرب ﷾.
فقلت له: "ومن أين لهم أنه كلام الرب تعالى وإنما كانوا على عبادة الأوثان، ولم تسبق لهم معرفة بالله ﷿، حتى يعلموا أنه كلامه وغاية ما أدركوه أنه كلام خارج عن طوق البشر فلعله من عند الملائكة مثلًا؟ ".
فقال ﵁: "كل من استمع القرآن، وأجرى معانيه على قلبه علم علمًا ضروريًّا أنه كلام الرب سبحانه فإن العظمة التي فيه والسطوة التي عليه ليست إلا عظمه الربوبية، وسطوة الألوهية والعاقل الكيس إذا استمع لكلام السلطان الحادث ثم استمع لكلام رعيته، وجد لكلام السلطان نفسًا به يعرف حتى إنا فرضناه أعمى، وجاء إلى جماعة يتكلمون والسلطان معمور فيهم، وهم يتناوبون الكلام لميز كلام السلطان من غيره بحيث لا تدخله في ذلك ريبة هذا في الحادث مع الحادث فكيف بكلام القديم، وقد عرف الصحابة ﵃ من القرآن ربهم ﷿ وعرفوا صفاته وما يستحقه من ربوبيته، وقام لهم سماع القرآن في إفادة العلم القطعي به ﷿ مقام المعاينة والمشاهدة وحتى صار الحق سبحانه عندهم بمنزلة الجليس ولا يخفى على أحد جليسه؟ ".
ثم نقل ابن المبارك كلام أستاذه المنوه به، في ما يعرف به كلامه تعالى فانظره، وما نقلنا بحثه المذكور إلا لنفاسته لأنه منزع بديع ينشرح له القلب والله العليم.
1 / 69