217

Fadar Sha'awa

قصر الشوق

Nau'ikan

صمت السيد طويلا والغضب مرتسم على وجهه، ثم قال وكأنه يخاطب نفسه: معركة مع ساقطة! فليذهب إذن في داهية.

ولكنه لم يتركه للداهية، وإنما بادر إلى مقابلة معارفه من النواب وعلية القوم مستشفعا بهم في وقف النقل، وكان محمد عفت على رأس الساعين معه، فتوالت الشفاعات على كبار رجال المعارف حتى أثمرت فألغي النقل، ولكن الوزارة أصرت على ندبه للعمل بديوانها، ثم أعلن رئيس المحفوظات - صهر محمد عفت أو زوج زوجة ياسين الأولى - عن استعداده لقبوله في إدارته - بإيعاز من محمد عفت - فتمت الموافقة على ذلك، ونقل ياسين في أول شتاء سنة 1926 إلى إدارة المحفوظات، ولم تمر المسألة في سلام تام، فقد سجل عليه عدم صلاحيته للعمل في المدارس، كما صرف النظر عن بحث ترقيته إلى الدرجة السابعة رغم أقدميته في الثامنة التي جاوزت عشرة أعوام، ومع أن محمد عفت قصد من إلحاقه بإدارة صهره ألا تساء معاملته، فإن ياسين لم يرتح إلى وضعه الجديد تحت رياسة زوج زينب، وقد عبر عن مشاعره حين قال يوما لكمال: لعلها سرت بما وقع لي، ووجدت فيه تأييدا لموقف أبيها حين رفض إرجاعها إلي، إني خبير بعقول النساء، ولا شك في أنها شمتت بي، وإنه لمن سوء الحظ ألا أجد مكانا كريما إلا تحت رياسة هذا التيس! ما هو إلا كهل لا خير فيه للنساء، وما أعجزه عن أن يسد الفراغ الذي تركه ياسين، فلتشمت الحمقاء فإني شامت.

ولم تقف زنوبة على سر النقل، وقصارى ما علمت أن زوجها ندب للعمل بمركز أفضل في الوزارة. كذلك تحاشى السيد أن يطرق في حديثه مع ياسين موضوع الفضيحة الحقيقي، واكتفى بأن قال له حين وفق إلى إلغاء النقل: ما كل مرة تسلم الجرة! لقد أتعبتني وأخجلتني، ولن أتدخل في أمورك بعد اليوم، فافعل ما بدا لك، وربنا بيني وبينك!

ولكنه لم يستطع أن يسقط أمره من حسابه، فدعاه يوما إلى الدكان، وقال له: آن لك أن تفكر في حياتك تفكيرا جديدا يعود بك إلى طريق الكرامة وينتشلك من الحياة المنبوذة التي تحياها، لا يزال في الوقت متسع كي نبدأ عهدا جديدا، وإني أستطيع أن أهيئ لك الحياة التي تليق بك فأصغ إلي وأطعني.

ثم عرض عليه مقترحاته قائلا: طلق زوجك وعد إلى بيتك، وإني أتعهد بأن أزوجك زواجا لائقا فتبدأ حياة كريمة.

فتورد وجه ياسين، وقال بصوت خافت: إني أقدر رغبتك الصادقة في إصلاح شأني، وسوف أعمل من ناحيتي على تحقيق هذه الرغبة دون إيذاء أحد.

فهتف الرجل ساخطا: وعد جديد كوعود الإنجليز! الظاهر أن نفسك تراودك على زيارة السجن، أجل سيجيئني صراخك المرة القادمة من وراء القضبان، لا زلت أكرر عليك أن تطلق هذه المرأة وتعود إلى بيتك.

فقال ياسين وهو يتنهد متعمدا أن يسمع أباه تنهده: إنها حبلى يا أبي، ولا أريد أن أضيف ذنبا جديدا إلى ذنوبي.

اللهم احفظنا! في بطن زنوبة حفيد لك يتكون! أكان في وسعك أن تتصور ما يدخر لك هذا الشاب من متاعب ساعة تلقيته وليدا في يوم عد من أسعد أيام حياتك؟ - حبلى؟ - نعم. - وتخاف أن تضيف ذنبا جديدا إلى ذنوبك؟

ثم منفجرا قبل أن يفتح الآخر فاه: لم لم يؤنبك ضميرك وأنت تعتدي على الطيبات من بنات الطيبين! أنت لعنة وحق كتاب الله.

Shafi da ba'a sani ba