الخلائق بحججه الواضحة، وأدلته القاطعة الدامغة، وما مثل من ينصر دين الإِسلام بمذاهب الفلاسفة والآراء المنطقية، إلاَّ كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق (أي الغزالي) الكلام سوقًا، يرعد فيه ويبرق ويمني ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس قال: "هذا من سرِّ الصدر الذي نهينا عن إفشائه".
وهذا فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين، يستقل الموجود (١)، ويعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب وتوهين لما عليه كلمة الجماعة، فإن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب بالنار، فلعمري فإنه إن ترك انتشر بين ظهور الخلق ومن لا معرفة له بسمومه القاتلة، وخيف عليهم أن يعتقدوا صحة ما سطر فيه بما هو ضلال، فيحرق قياسًا على ما أحرقته الصحابة ﵃ من صحائف المصحف التي تخالف المصحف العثماني، ألا ترى أنهم لو لم يحرقوا تلك الصحائف وانتشرت في الخلق، لحفظ كلّ إنسان ما وقع منها إليه، وأوشك أن يختلفوا فيتقاتلوا ويتقاطعوا.
وإني لعلى عزم أن أنفرد له فأستخرج جميع هفواته وأوضح سقطاته، وأبينها حرفًا حرفًا، وفي دونه من الكتب غنيه وكفاية لِإخواننا المسلمين وطبقات الصالحين، ومعظم من وقع في عشق هذا الكتاب رجال صالحون لا معرفة لهم بما يلزم العقل وأصول الديانات ولا يفهمون الإلهيات، ولا يعلمون حقائق الصفيات (كذا)، ولا يخبرون شياطين الإِنس الذين انتدبوا للطعن في الدين، وتوهين عمود الإِسلام، وتعطيل الصانع، وإفساد المعجزات فمن يكن عنده تمييز لهذه الأبواب من الذبّ عن دين الله تعالى، ونصره شريعته، لم ينبغ له أن يَقْفُ ما ليس له به علم، يمدح على غير علم، ويذم على غير علم، والسلام" (٢).
_________
(١) في المعيار المعرب للونشريشي "يستغل الوجود" والمثبت من سير أعلام النبلاء.
(٢) انظر مقتطفات وملخصات لهذه الرسالة عند: الذهبي: سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٣٣٩، ٤٩٤ =
1 / 58