كان الشيخ ذا نظرات في التصوف غريبة، وشطحات عجيبة، وتأويلات واجتهادات، في تفسير الآيات، وكشف الغوامض المبهمات. وكان في طلعته، مثله في نزعته. عينان هما أتونان مشتعلان، وحاجبان هما دغلان مدلهمان، في رأس كبير مستدير، فوق أنف ضخم، فوق لحية مرسلة طويلة. أضف إلى ذلك اللسان الفصيح والذهن النفاذ الكشاف، والصوت المزمزم كالرعد، تشهده بأجمعه، وبكامل مجده. قيل إنه نقل إلى خارج المدينة لما ضاق بالسامعين المكان الذي كان يعظ فيه، وهناك في العراء كان يجتمع من المؤمنين، ستون وسبعون ألفا؛ ليسمعوا كلماته الذهبية وآياته السماوية.
أسمي الشيخ بالباز الأشهب، وهو، على ما يظهر لي، رمز «السوبر مان» في الشرق.
جامع الإمام الأعظم (تصوير الدورادو).
قال البنديجي في كتابه «جامع الأنوار في مناقب الأخيار» في ترجمة الشيخ عبد القادر ما نصه:
وقيل له الباز الأشهب، لما كان يمشي ويطير على رءوس الأشهاد، كما روى الشيخ أبو القاسم عمر بن مسعود البزار، والشيخ أبو حفص بن يحيى الهناني. هما شاهدان. وهناك مصدر آخر وشاهد من أهل الجنة - على ما يظهر - اسمه الشيخ عقيل المنيجي. فلما قيل له: قد اشتهر ببغداد أمر شاب أعجمي شريف اسمه عبد القادر. قال: أمره في السماء أشهر منه في الأرض. ذلك الفتى العلي المدعو في الملكوت الباز الأشهب.
وقد أضاف إلى هذه الحاشية صديقي الأبر الشيخ كاظم الدجيلي ما يلي:
والباز الأشهب، كما جاء في التاج، لقب أبي العباس بن سريح والسيد منصور العراقي خال سيدي أحمد الرافعي. ولم يذكر الشيخ عبد القادر بينهما. فتنبه.
وقد كان في بيته مثله في بيئته، كثير الإنتاج، موفقا ظافرا على الدوام، فنعمت الدنيا بتسعة وأربعين ولدا من صلبه، وبألف مرة تسعة وأربعين من السالكين لطريقه. بيد أنه كان في سلوكه مثل جميع المتصوفين، جواب آفاق قصية، حينا متألقة، وحينا مظلمة، له حالات، وحيرات، وابتهاجات، وله في يقينه الآيات:
ارفع نفسك إلى ما فوق الشقاق في نفسك يجئك الأسد طائعا، ويأكل الذئب من يدك. افتل نفسك أمام نفسك، در ثم در، من الوعي إلى الحال، تقع النجوم كالدرر عند قدميك. لتضع نفسك أمام العرش في نفسك ، تشاهد في بابك العزة الإلهية.
وفقا لهذه الشطحات سلك الشيخ «سلوكه القادري»، فكان حملا للوديعين، وأسدا للطالبين، وكوكبا للسكارى في حانة الشوق والحنين، وذاتا مقدسة لبقية المؤمنين، وما كان حتى الخليفة ليأمره بالمثول بين يديه، بل كان إذا شاء الاجتماع به يجيء بنفسه إليه، بعد أن يستأذن بذلك؛ ولكنه كان محبا للفقراء، متواضعا لهم، فيؤاكلهم ويقيم بينهم، إنه في هذا لمثل القديس فرنسيس الأسيسي، وإنه في ما سوى ذلك مثل ولي الجزويت القديس إغناطيوس لويولا. كلاهما مصدر وحي، ومصدر قوة، فقد ابتدأ عبد القادر بالحب وانتهى بالنظام. أدى صاحب السلوك الرسالة في حياته الدنيا، وصار بعد ذلك صاحب طريقة.
Shafi da ba'a sani ba