ومن الكبائر مقول متعتع
جم التنحنح متعب ميهود
وقال شاعرهم يعيب بعض خطبائهم:
مليء ببهر والتفات وسعلة
ومسحة عتنون وفتل الأصابع
وضربوا المثل بالبلاغة بسحبان وائل، فقالوا: فلان أخطب من سحبان. كما ضربوا المثل بالعي في الكلام بباقل، فقالوا: فلان أعيى من باقل، وقد جمع الجاحظ في البيان والتبيين كثيرا من أخبار البلاغة، والحصر، والخطباء، والبلغاء ومما قال:
وليس حفظك الله مضرة سلاطة اللسان عند المنازعة، وسقطات الخطل يوم إطالة الخطبة، بأعظم مما يحدث عن العي من اختلال الحجة، وعن الحصر من فوق درك الحاجة، والناس لا يعيرون الخرس، ولا يلومون من استولى على بيانه العجز وهم يذمون الحصر، ويؤنبون العي، فإن تكلفا مع ذلك مقامات الخطباء، وتعاطيا مناظرة البلغاء، تضاعف عليهما الذم، وترادف عليهما التأنيب، ومماتنة (مماطلة) العي الحصر البليغ المصقع، في سبيل مماتنة المنقطع المفحم للشاعر المفلق، وأحدهما ألوم من صاحبه، والألسنة إليه أسرع، وليس اللجلاج (المتردد في كلامه)، والتمتام (من تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى، والتمتمة رد الكلام إلى التاء والميم)، والألثغ (الذي يحول لسانه من السين إلى الثاء أو من الراء إلى الغين)، والفأفاء (مردد الفاء)، وذو الحبسة (الذي لا يسمع قوله)، والحكلة (الذي لا يسمع صوته)، والرتة (العجمة)، وذو اللقف (عي بطيء الكلام إذا تكلم ملأ لسانه فمه)، والعجلة في سبيل الحصر في خطبته، والعي في مناضلته خصومه، كما أن سبيل المفحم عند الشعراء والبكيء عند الخطباء خلاف سبيل المسهب الثرثار والخطل المكثار.
ثم اعلم أبقاك الله أن صاحب التشديق (تكلف البلاغة) والتقعير (التكلم بأقصى الفم) والتقعيب (تقصير الكلام) من الخطباء والبلغاء، مع سماجة التكلف وشنعة التزيد ، أعذر من عي يتكلف الخطابة، ومن حصر يتعرض لأهل الاعتياد والدربة، ومدار اللائمة ومستقر المذمة، حيث رأيت بلاغة يخالطها التكلف وبيانا يمازجه التزيد: ألا إن تعاطي الحصر المنقوص مقام الدرب التام، أقبح من تعاطي البليغ الخطيب، ومن تشادق الأعراب القح، وانتحال المعروف ببعض الغزارة في المعاني والألفاظ، وفي التحبير والارتجال، إنه البحر الذي لا ينزح، والغمر لا يسير أيسر من انتحال الحصر المنخوب (الجبان) أنه في مسلاخ (صفة) التام الموفر والجامع المحكك، وإن كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قد قال: إياي والتشادق، وقال: أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون، وقال: من بدا جفا. وعاب العدادين (الشديدي الصوت) والمتزيدين في جهارة الصوت، وانتحال سعة الأشداق، ورحب العلاصم، وهدل الشفاه (إرسالها إلى أسفل)، وأعلمنا أن ذلك من أهل الوبر أكثر وفي أهل المدر أقل، فإذا عاب المدري بأكثر مما عاب به الوبري، فما ظنك بالمولد القروي، والمتكلف البلدي، فالحصر المتكلف والعي المتزيد ألوم من البليغ المتكلف لأكثر مما عنده، وهو أعذر؛ لأن الشبهة الداخلة عليه أقوى، فمن أسوأ حالا أبقاك الله ممن يكون ألوم من المتشادقين، ومن الثرثارين المتفيهقين، ومن ذكره النبي
Shafi da ba'a sani ba