164

Tsoho da Sabo

القديم والحديث

Nau'ikan

مات - رحمه الله - والألسن تذكره بالمحمدة حتى قيام الساعة، فكان رجلا يعد بعشرات الملايين، وكم من ألوف لا يساوون واحدا وواحد يساوي ألوفا، مات وقد زلزل المسلمون لفقده، كما كتب القاضي الفاضل في ساعة موته إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب من بطاقة: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إن زلزلة الساعة شيء عظيم، كتبت لمولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه، وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة، وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا، وقد حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر، وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده، وقد قبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن الله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المغمدة ما لا يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء، وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا يوسف لمحزونون، وأما الوصايا مما يحتاج إليها، والآراء فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم، والسلام.

مصطفى كامل1

في وفاة فقيد الوطن والصحافة التي اهتم لها أهل القطر عامة، وأبانوا في احتفالهم بتشييعه ومأتمه عن عواطف شريفة وشعور حي نام، أعظم درس يتدارسه المصريون، ولا سيما النابتة الجديدة منهم.

وصف الفقيد العزيز بما وصف به من الأوصاف التي هو جدير بها، وذرفت الدموع لهول المصاب به في إبان شبابه، وأكبرت الأمة أعماله وأقواله، وقامت بالواجب من إكرامه وإجلاله، كل هذا حق وكل هذا بزعماء النهضات وقادة الأفكار جدير، ولكن إذا صارت تلك الروح التي كانت بالأمس تهيج العواطف، وتلعب بالقلوب إلى جوار ربها، فالواجب علينا أن نبحث في السر الذي اهتدى إليه صاحبها الراحل، فأثر هذا الأثر المحمود في هذه الحقبة القصيرة من الزمن.

كثيرون مثله كانوا يدخلون المدارس ويتعلمون ويتهذبون، فتراهم وهم صغار في المدرسة نفوسا تتلهب غيرة، وقلوبا تتأوه على قرب أوقات العمل لتأتي بما يجب عليها نحو أمتها ومجتمعها ونفسها، فما هو إلا بضع سنين حتى تتبدل أفكارهم وينطبعون بطابع غير الذي كنت تعهده فيهم.

التاريخ - كما يقولون - يحكم لمصطفى كامل فيما أتاه من الخير لهذه البلاد، وإن كانت أعماله عند المنصفين أعظم شاهد حي على أن الرجل لم يكن مبرأ من العيوب، ولكن محاسنه تربو كثيرا على نقائضها، وهذا ما ننشده في رجالنا، ونتمنى لو يكثر الأفراد الذين على شاكلته من أكثر الوجوه في كل فرع من فروع العمل في هذا الجهاد العالمي.

مصطفى كامل قال وكتب وخطب وجاهد وناضل ونافس وقاوم وتعب، وقد كافأته أمته على حسن صنيعه بأن بذلت نحوه عواطفها حيا وميتا، فذهب مأسوفا عليه مذكورا بالرحمة، وطوي بساطه بما عليه، ولكن أمته حية كبيرة كل يوم تلد ولاداتها، وكل يوم يدفن رجالاتها.

إن غاب مصطفى كامل فلا ينبغي أن تغيب عنا سيرته الذكية، وكيف وصل إلى المجد المؤثل والعز الأقعس، هو لم يؤت من المواهب ما لم يؤته أحد من العالمين، بل امتاز بامتياز واحد، ويا له من امتياز امتاز «بإرادة» تعمل، والإرادة هي رأس ماله، وهي في أفراد الشرق قليلة، ويا للأسف إرادة مصطفى كامل هي التي بلغت به ما بلغت، وهو فتى قبل الثلاثين، فما بالك لو كان بلغ السبعين والثمانين.

صحة الإرادة هي التي تنقص أبناء الشرق؛ ولذلك تراهم - وإن تعلموا وتهذبوا - يظلون وراء الغربيين في جهاد الحياة، وإن فاقوهم بعض الأحيان في الذكاء والنشاط، وكلما كانت الإرادة في صاحبها أقوى كان تأثيره أشد وعمله أسد.

يحزنني والله أن أرى كل يوم في مصر من الأفاضل المهذبين ما لم أحلم بوجود أمثالهم من قبل، ثم تراهم - وبعضهم ممن تهيأت لهم أسباب النعمة - خاملين خائفين ضعافا في الإرادة إلى حدائهم، إذا قاموا ببعض الواجبات يخشون أن تزول عنهم نعمتهم، ويحل بهم الويل والثبور.

Shafi da ba'a sani ba