163

Tsoho da Sabo

القديم والحديث

Nau'ikan

وما خضب الناس البياض لقبحه

وأقبح منه حين يظهر ناصله

ولكنه مات الشباب فسودت

على الرسم من حزن عليه منازله

وكان يسأل الواحد منهم عن مرضه ومداواته ومطعمه ومشربه وتقلبات أحواله، وكان طاهر المجلس لا يذكر بين يديه أحد إلا بالخير، وطاهر السمع فلا يحب أن يسمع عن أحد إلا بالخير، وطاهر اللسان فما شوهد مولعا بشتم قط، حسن العهد والوفاء، فما أحضر بين يديه يتيم إلا وترحم على مخلفه وجبر قلبه وأعطاه خبز مخلفه، وسلمه إلى من يكفله ويعنى بتربيته، وكان لا يرى شيخا إلا ويرق له، ويعطيه ويحسن إليه.

قال ابن شداد: ولقد رأيته، وقد مثل بين يديه أسير إفرنجي قد أصابه كرب بحيث أنه ظهرت عليه أمارات الخوف والجزع، فقال للترجمان: من أي شيء يخاف؟ فأجرى الله على لسانه أن قال: كنت أخاف قبل أن أرى هذا الوجه، فبعد رؤيتي له وحضوري بين يديه أيقنت أني ما أرى إلا الخير، فرق له ومن عليه وأطلقه، قال: ولقد كنت راكبا في خدمته في بعض الأيام قبالة الإفرنج، وقد وصل بعض اليزكية ومعه امرأة شديدة التخوف كثيرة البكاء متواترة الدق على صدرها، فقال اليزكي: إن هذه خرجت من عند الإفرنج، فسألت الحضور بين يديك وقد أتينا بها، فأمر الترجمان أن يسألها قصتها، فقالت اللصوص: المسلمون دخلوا البارحة إلى خيمتي وسرقوا ابنتي، وبت البارحة أستغيث إلى بكرة النهار فقال لي المملوك: السلطان هو أرحم، ونحن نخرجك إليه تطلبين ابنتك منه، فأخرجوني إليك وما أعرف ابنتي إلا منك، فرق لها، ودمعت عينه، وحركته مروءته، وأمر من ذهب إلى سوق العسكر يسأل عن الصغيرة من اشتراها، ويدفع له ثمنها ويحضرها، وكان قد عرف قضيتها من بكرة يومه، فما مضت ساعة حتى وصل الفارس والصغيرة على كتفه، فما كان إلا أن وقع نظرها عليها، فخرت إلى الأرض تعفر وجهها في التراب والناس يبكون على ما نالها، وهي ترفع طرفها إلى السماء ولا نعلم ما تقول، فسلمت ابنتها إليها، وحملت حتى أعيدت إلى عسكرهم.

ولقد كان يسمع من المستغيثين والمتظلمين أغلظ ما يمكن أن يسمع، ويلقى ذلك بالبشر والقبول دلالة على حرية وسعة صدر، وقد كان يوما بعض خدمه يلعبون بسرموزة (بانتوفل) في ناحية، فوقعت على رأسه، فأدار وجهه كأنه لم يحدث شيء، وتظاهر بأنه لم ير شيئا، وكان الحافظ بن عساكر يدخل قصره يقرأ الحديث، فكانت جلبة الخدم ترتفع، فتكرر ذلك حتى قال الحافظ يوما: ما هذا؟ كنا في عهد نور الدين ندخل هذا المكان، والناس كأن على رءوسهم الطير، إشارة إلى أن صلاح الدين يتساهل مع خدمه ملقيا حبلهم على غاربهم.

لما فتح صلاح الدين القدس وغيرها من السواحل، ولم يبق في أيدي الصليبيين إلا عكا وصور وغيرها من البلاد التي لا شأن لها، ورأى أن المشيب أنذره بقرب الأجل عقد العزم على الحج إلى بيت الله الحرام، فلما بلغ القاضي الفاضل كتب إليه مشيرا بتبطيله: إن الفرنج لم يخرجوا بعد من الشام، ولا سلوا عن القدس، ولا يوثق بعدهم في الصلح، فلا يؤمن مع بقاء الفرنج على حالهم وافتراق عسكرنا وسفر سلاطيننا سفرا مقدرا معلوما مدة الغيبة فيه أن يسيروا ليلة، فيصبحوا في القدس على غفلة، فيدخلوا إليه بالعياذ بالله، ويفرط مد يد الإسلام، ويصير الحج كبيرة من الكبائر التي لا تغتفر، ومن العثرات التي لا تقال إلى أن يقول: يا مولانا! مظالم الخلق كشفها أهم من كل ما يتقرب به إلى الله، وما هي بواحدة في أعمال دمشق من المظالم من الفلاحين ما يستغرب معه وقوع القطر، ومن تسلط من المقطعين على المنقطعين ما لا ينادي وليده، وفي وادي بري والزبداني من الفتنة القائمة والسيف الذي يقطر دما ما لا زاجر له، وللمسلمين ثغور تريد التحصين والذخيرة، ومن المهمات إقامة وجوه الدخل وتقدير الخرج بحسبها .

ملأت أوقاف صلاح الدين مصر والشام وهي غير منسوبة إليه، قال ابن خلكان: ولقد فكرت في نفسي من أمور هذا الرجل، وقلت: إنه سعيد في الدنيا والآخرة، فإنه فعل في هذه الدنيا هذه الأفعال المشهورة من الفتوحات الكثيرة وغيرها، ورتب هذه الأوقاف العظيمة، وليس فيها شيء منسوبا إليه في الظاهر. ا.ه. مات صلاح الدين ولم يخلف مالا عن 57 عاما، وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة، ولم يخلف سوى دينار واحد بعد أن دخلت في يديه ثروة الفاطميين، وجبي إليه خراج البلاد المفتتحة، وحاز مغانم الصليبيين مرات.

تغيب السلطان صلاح الدين أربع سنين في فتح القدس وغيرها من بلاد الساحل وفلسطين، لم يدخل خلالها دمشق مع أنه «كان يحب البلد، ويؤثر فيه الإقامة على سائر البلاد»، فرأى أولاده الأفضل والظاهر والظافر وأولاده الصغار، وأقام في دمشق أياما يتصيد هو وأخوه الملك العادل أبو بكر بن أيوب وأولاده «ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا، وكأنه وجد به راحة مما كان فيه من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل ونصب النهار، وما كان ذلك إلا كالوداع لأولاده ومرابع نزهه»، وبينا هو على ذلك ونفسه تحدثه بزيارة مصر بعد طول الغيبة عنها ناداه مولاه فلباه فأبكى المقل وأدمى الحناجر.

Shafi da ba'a sani ba