143

Tsoho da Sabo

القديم والحديث

Nau'ikan

هم يفكرون ويكتبون وينصحون، ونحن تركنا حبل آدابنا على غواربنا، ولا نبالي بما يدخل علينا من غرائبها وسخائفها، ولكن القوم في أوروبا على ما بلغوه من أسباب التقدم مما نغبطهم على أكثره لم يفتئوا يحاربون نقصهم، ويسعون إلى كمالهم، ونحن نحارب كمالنا، ونسعى إلى نقصنا.

أكتب هذا وأمامي مبحث جليل لأحد علماء التربية في فرنسا، نشره بمناسبة قيام اثنتي عشرة ألف معلمة مؤخرا في نيويورك، يطالبن حكومتها بأن تنصفهن في الرواتب كما تنصف المعلمين؛ لأنهن يقمن بمثل هذه الأعمال التي يقوم بها الرجال في التربية والتعليم، فاضطرت الحكومة إلى إجابتهن إلى مطالبهن، وزادت ميزانيتها ثلاثة ملايين دولار عن مدينة نيويورك وحدها.

قال: إن تسليم مقاليد التربية للنساء دون الرجال مما يؤخر؛ لأن حب التجمل ينغرس في الصبيان كما لاحظت ذلك اللجنة المؤلفة من مئات من أساتذة الإنكليز، الذين انتدبهم المستر موسلي أحد أغنيائهم منذ بضع سنين للبحث عن طريقة التربية في الولايات المتحدة، فكتبوا في ذلك تقريرا قالوا فيه: إن من تأثير تربية المعلمات قلة أخلاق الرجولية في الأمة الأميركانية. ولم تكن ملاحظة هذه اللجنة الأولى من نوعها، بل إن غير الأميركيين كثيرا ما كانوا يدهشون مما يبدو لأنظارهم من هذا القبيل في أميركا، ولكن القول يغلو على قدر قائله، ومكانة لجنة ولسلي بمن تألفت منهم.

قال: وكيف لا تحكم هذه اللجنة على الأميركان، ورجالهم يعنون من وراء الغاية في المحافظة على الست والثلاثين ألف قاعدة في مصطلحات التمدن (الإتيكيت)، فيبالغون في التأنق بلباسهم مبالغة مفرطة، ويدققون كل التدقيق في القيام بأقل ما تقتضيه سنة الأزياء، ويرققون ألفاظهم ترقيقا يقربها أبدا من التكلف، ولا ينسب ذلك إلا لتسليم مقاليد التربية للمرأة، ولو استطاع المرء أن يكون تاما في هذا المعنى لما كان في ذلك بأس، بل قد يحدث كثيرا أن المبالغة في التزيي والمنافسة في الحصول على صفات الظرف الذي لم تجعله الطبيعة من خصائصه تعبث بمروءته، قال: ومن سوء أثر هذه التربية في الأميركان أن الرجل يرى في نفسه أحط من المرأة مهما تصنع لها، ويرى من كرمها أنها تعطف عليه، وهكذا حتى أصبح المجتمع الأميركي أنثويا، فيه من ضروب التكلف والغرابة أشكال وألوان. ا.ه.

هذا ما قاله كبير من كبار علماء التربية في الحكم على التربية الأميركية، فإذا جاء فوصف تربيتنا ، فأي حكم يصدر علينا يا ترى؟! تلك التربية الملفقة التي ورثناها من مربية رومية، أو فتاة طليانية، أو جارية زنجية، أو كرجية، أو بربري ذي زبيبة، أو ماجن ذي أطوار غريبة.

إن قالت لجنة ولسلي بأن التمدن الأميركي أصبح أنثويا، فماذا تقول لو رحلت إلينا، وحكمت علينا بدون مشايعة لغرض سياسي، ولا بدافع هوى نفسي، لا جرم أنها تقول ما قاله شاعرنا الرافعي:

وظن الفتى أن التمدن أنثوي

فتابع فيه كل ذات حليل

تكريم النزاهة1

توفي منذ أيام رجلان عظيمان من عمال الحكومة، أحدهما كامل بك والي سيواس الأسبق، والثاني كامل بك الصلح رئيس محكمة استئناف سورية سابقا، واحد خدم في أرقى مناصب الإدارة في الولايات، وطاف يمنها وحجازها وطرابلس غربها وأناضولها، والآخر بلغ أرقى مناصب القضاء في الولايات، وتقلب في أعطافها شرقا وغربا، فخدم كل منهما الحكومة زهاء خمس وأربعين سنة، ورائده أمانته وصدقه، وتفانيه في مسلك النزاهة والعفة.

Shafi da ba'a sani ba