133

Tsoho da Sabo

القديم والحديث

Nau'ikan

وأيقن أنا لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبك عينك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

أما نحن فابتهجت أنفسنا وايم الله، واطمأنت لما اجتزنا الدرب، وعلمنا أننا نركب بعده القطار، ولم يبق لنا إلا ساعات معدودة لنبلغ دار السلطنة، بهجة الدنيا، وقرارة الدعة، ومدينة المنعة، ومهد الظرف واللطف، وبلد الشعر والخيال، إن الدرب أو مضيق «كولك بوغازي» واد تتخلله الأنهار والجداول، ويكسو شجر الأرز نجاده ووهاده، على صورة تظنها من هندسة أعظم مهندسي الزراعة لعهدنا، وما وهو في الحقيقة إلا مما نبت واستطال بنفسه، أنت لا تنفك منذ تطأ عتبة جبال طوروس، تشم أريج شجرها ورندها وعرارها، ولا تسأم من مناظرها؛ لأنها منوعة في تقاطيعها وجمال هندستها، بحيث لا تمل العين النظر ، ولا الأنف الشم ولا الأذن السماع؛ لحفيف أشجاره، وتمايل أغصانه، وثغاء حملانه، وخرير مياهه، وأصوات عندليبه وهزاره.

إن من يسمع من بعد وصف «كولك بوغازي» يقول في نفسه: ماذا عسى يكون في هذا المضيق؟ وجبال الدنيا كثيرة متشابهة، صخور وتلعات، وأكمات وبطون ومنفرجات، وشيح وقيصوم، وسنديان وزان، ولكن جبلنا هذا لا يشبه الأجبل بحال؛ لأن مدير الأكوان خلقه على غير مثال من الجبال، ولون صخوره، وأحسن قطعها، فمنها الكبير الهائل، ومنها الصغير الحقير، وتربته حمراء وسوداء وبيضاء، ترى تارة في الهضاب طريقا معبدة من الصم الصلاب، أو مرصوفة بالتربة الذكية، غرست فيها يد القدرة أشجار الأرز غرسا يتخلل الهواء بيننا، ولا تنبو العين عنها لعدم نظامها، واختلال هندستها، وترامي أبعادها، وهناك الأشكال الهندسية برمتها: فمن تلعة مستطيلة إلى أخرى هرمية، وبجانبها ذروة ذات شكل بيضوي، وآخر محدوب أو مربع أو قائم الزوايا ومنفرجها، جعل بعضها إلى جانب بعض، ومساحتها السطحية متقاربة، وكلها مزينة بالأشجار، أنت هنا تجتاز واديا ولا كالأودية، بحيث تعطي الحق لمن قال في القدم: «ماء ولا كصداء» و«مرعى ولا كالسعدان» و«فتى ولا كمالك»، ولو رأى القائل الدرب لقال: مضيق ولا كهذا وجبال ولا كطوروس.

هذه العظمة في الخلق التي تراها ماثلة على أتمها في جبال طوروس التي أعجزت الفاتحين من الأقدمين والمحدثين، فكانت كالحاجز الطبيعي الذي لا يرام بين الثغور وبين بلاد الروم، عامرة بطبيعتها، هندسها الفاطر، وحفها بأنواع البهجة والزينة، بحيث لا تملها نفس مهما اكتأبت، وتود لو تقضي فيها شطرا من العمر، بعيدة عن ضجة العالم وأوهام الخلق، وترهات المتمدنين والمتبربرين.

جبال طوروس البديعة، لقد أعجزت الفاتحين عن اجتياز مضايقك، كما أعجزت الشعراء والمصورين عن رسم بدائعك وخصائصك، فما هذا الإبداع الذي عز نظيره في الأصقاع والبقاع، إيه يا منطقة البكم بالشعر، ومعجزة المتكلمين في ذكرى فضائلك وفواضلك.

إن جبال الألب التي استبت الألباب ببدائعها، وجبال الكاربات التي اشتهرت بصياصيها الطبيعية، وجبال حملايا المعروفة بسموها، هي دونك في جمع كل هذه المعاني، ولو هيئ لك ما تهيأ لتلك من يد صناع، تحسن حواشيك، وتهذب من أطرافك، وتتعهد أزهارك وأشجارك بآخر ما اهتدى إليه العقل البشري من ضروب الصناعة، لكنت لعمر الحق معهد اجتماع المصطافين والمرتبعين، ومسرح أنس طلاب اللذائذ الطبيعية والصناعية، وخزانة ثروة لأهلك ولا ينضب معينها، وتنضب مياه الرافدين دجلة والفرات، ولكنه تعالى لا يمنح بلدا كل ما يحتاجه، ولا يجمع في شخص كل الصفات والمزايا، فسبحان من قسم الخصائص بين البلاد، كما قسم الحظوظ بين الجماعات والأفراد.

على قبر أبي الفدا في حماة1

حنانيك إسماعيل، أجبني، فدتك نفوس الملوك يا عالمهم وعادلهم وسيدهم، كنت في عصرك مثال العمل الصالح، وها أنت لمن بعدك عبرة لمن يعتبر.

Shafi da ba'a sani ba