فالله قد ضربَ الأقلَّ لنوره ... مثلًا من المشكاةِ والنبراس
إن تحو خصلَ المجد في أنف الصّبا ... يا ابن الخلائف يا أبا العباس
فلربّ نارٍِ منكمُ قد انتجحت ... بالليل من قبسٍ من الأقباس
ولربّ كفلٍ في الحروب تركتهُ ... لصعابها حِلسًا من الاحلاس
أمددته في العُدم والعدم الجوى ... بالجود والجودُ الطبيب الآسي
آنسته بالدهر حتّى أنه ... ليَظُنُّهُ عُرسًا من الأعراس
غلب السرور على همومي بالذي ... أظهرت من برّي ومن إيناسي
أملٌ من الآمال أحكم فتله ... فكأنه مرسٌ من الامراس
عدلَ المشيبُ على الشباب ولم يكن ... من كبرةٍ لكنه من ياس
أثرُ المطالب في الفؤآد وإنّما ... أثرُ السنين ووسمها في الراس
فالآن حين غرستُ في كرم الثرى ... تلك المنى وبنيتُ فوقَ أساس
وقال يرثي محمد بن حميد الطوسي وهي من غرر المراثي
كذا فاليجلَّ الخطبُ وليفدحِ الامرُ ... فليسَ لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ
توفيت الآمال بعدَ محمدٍ ... واصبح في شغل عن السفر السفرُ
وما كان إلاّ مالَ من قلَّ ماله ... وذخرًا لمن أمسى وايس له ذخر
وما كان يدري مجّتدي جود كفه ... إذا ما استهلت أنه خلق العسر
ألا في سبيل الله من عُطّلت له ... فجاج سبيل الله وانثغر الثغر
فتىً كلّما فاضت عيونُ قبيلةٍ ... دمًا ضحكت عنه الأحاديث والذكر
فتىً دهره شطرانِ فيما ينوبه ... ففي بأسهِ شطرٌ وفي جوده شطرٌ
فتىً مات بين الطعنِ والضربِ ميتةً ... تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضربُ سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوتُ الموت سهلا فرده ... إليه الحفاظُ المرُّ والخُلُق الوعر
ونفسٌ تعافُ العار حتّى كأنما ... هو الكفر يوم الورع أودونه الكفر
فأثبت في مستنقعِ الموتِ رجلهُ ... وقال لها من تحتِ أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسجُ ردائه ... فلم ينصرف إلاّ وأكفانه الأجر
تردَّى ثيابَ الموت حمرًا فما دجا ... لها الليلُ إلاّ وهي من سندسٍ خضر
كأن بني نبهان يومَ وفاتهِ ... نجومُ سماءٍ خرَّ من بينها البدر
يُعزون عن ثاوٍ تعزى به العلى ... ويبكي عليه البأس والجودُ والشعر
وانى لهم صبرٌ عليه وقد مضى ... إلى الموت حتَّى استشهد اهو والصبر
فتىً كان عذب الروح لا من غضاضةٍ ... ولكنَّ كبرًا أن يقال به كِبر
فتىً سلبتهُ الخيلُ وهو حِمىً لها ... وبزته نار الحربِ وهو لها جمر
وقد كانت البيض المآثير في الوغى ... بواتر فهي الآن من بعده بُتر
أمن بعدِ طيّ الحادثات محمدًا ... يكونُ لأثواب الندى أبدًا نشر
إذا شجرات العرفِ جذت أصولها ... ففي أيّ فرع يوجدُ الورق النضر
لئن أبغض الدهرُ الخؤونُ لفقده ... لعهدي به ممّن يُحب له الدهر
لئن غدرت في الورع أيامهُ به ... فما زالت الايامُ شيمتها الغدر
لئن لبست فيه المصيبةَ طيءٌّ ... فما عريت منها تميمٌ ولا بكر
كذلك ما ننفكَّ نندب هالكًا ... يشاركنا في فقده البدر والحضر
سقى الغيثُ غيثًا وارتِ الأرضُ شخصه ... وإن لم يكن فيه سحابٌ ولا قطر
وكيف احتمالي للغيوث صنيعةً ... بإسقائها قبرًا وفي لحده البحر
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبق روضةٌ ... غداةَ ثوى إلاّ اشتهت أنها قبر
ثَوى في الثرى من كان يحيا به الثرى ... ويغمرُ صرفَ الدهر نائله الغمر
عليكَ سلام الله وقفًا فإنني ... رأيتُ الكريم الحرَّ ليس له عمر
وقال يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف
أما أنه لولا الخليطُ المودّع ... وربع خلا منه مصيف ومَربعُ
لرُدت على اعقابها أريحية ... من الشوقِ واديها من الدمع مترع
لحقنا بأخرهم وقد حوَّم الهوى ... قلوبًا عهدنا طيرها وهي وُقّع
فرُدت علينا الشمس والليلُ راغمٌ ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع
نضا ضوؤها صبغ الدجنّة وانطوى ... لبهجتها ثوبُ السماءِ المجزَّع
1 / 16