واختلف أصحابنا في القرآن. فقال بعضهم: غير مخلوق.
وقال بعضهم: لا تقول: مخلوق ولا غير مخلوق. ونقول: هو كلام الله. ولا نقول: هو صفة ذات، ولا صفة فعل. وهذا يوجد من قول أبي علي وغيره.
فالذين يقولون: إن كلام الله مخلوق، احتجوا بأن كل ما سوى الله مخلوق. والقرآن لا يخلو من أن يكون هو الله. أو غيره. وقد قال الله تعالى: { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقال: { والله خالق كل شيء } والقرآن شيء. فدل أنه مخلوق.
وقال بعض يقدم كلام الله، وأن القرآن غير مخلوق، رد عليهم: أن كل شيء مخلوق، المعنى بالأشياء المخلوقة، لا أن كل شيء وقع عليه شيء مخلوق؛ لأن البارئ عز وجل شيء، لقوله تعالى: { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد } والبارئ غير مخلوق. وصفات الله الذاتية، وأسماؤه الذاتية، غير مخلوقة.
وإنما قول الله: { والله خالق كل شيء } يعني بالأشياء: المخلوقة، لأنه سبحانه قال: { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } . فلو كان قوله مقولا له، لتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية له: أن يقول بقول، وقول بقول. فيتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية له. وهذا فاسد. وأيضا فإنه لو كان مخلوقا محدثا، لكان لا يخلو، من أن يحدثه في نفسه، أو يحدثه في غيره، أو يحدثه قائما بنفسه.
فإن يكن أحدثه الله في نفسه. فالبارئ تعالى ليس بمحل للحوادث.
وإن يكن أحدثه في غيره، كان ذلك الغير، متكلما بكلام الله. والكفار متكلمون بكلام الله.
وإن يكن أحدثه قائما بنفسه، فالقرآن صفة. والصفة لا تقوم بنفسها. فصح أن كلام الله عز وجل غير مخلوق، وأن البارئ تعالى هو المتكلم، كما أنه هو العالم.
فإذا وجب أن البارئ هو العالم لذاته، وجب أن يكون المتكلم لذاته.
Shafi 60