زعم أهل الضلال أن يوم القيامة ينصب الله للخلق ميزانا، يزن فيه أعمالهم وأن سعة كفة الميزان، سعة السموات والأرض. وطول عمود، كطول الدنيا. واحتجوا بقوله - عز وجل - : { فمن ثقلت موازينه } الآية. وأنكر هذا المسلمون. وقالوا: إنما الوزن هو مجازة البارئ - عز وجل - على الأعمال. وذلك في اللغة، كما قال الشاعر:
... إني وزنت الذي يبقى ليعدله ... ما ليس يبقى والله ما اتزنا
إنما أراد التمييز ما يبنهما والتأويل، لا أنه وزن ذلك بميزان. ألا ترى إلى قول الرجل لصاحبه: زن مجلسك. ولا يطيق أن يزن المجلس، وزن كلامك ولا يطيق أن يزن كلامه، لأنه عرض. فإذا تكلم به، لم يقدر عليه ليزنه. وإنما يريد التأمل والنظر والتسيير والحق.
وقوله تعالى: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } أي نضع العدل. يعرف عباده أن عنده لهم حقائق العدل، وأنه لا يظلم الناس شيئا, وهو الحكم بينهم يوم القيامة والفصل. وقوله تعالى: { فلا نقيم لهم يوم القيامة زونا } يعنى لا نتقبل منهم يوم القيامة إيمانا، كما قال تعالى: { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } فالوزن في هذا الموضع: الإيمان، لا أن هناك
ميزانا، كما زعموا. وإنما قال الله تعالى: { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه } يعني من جاء بالإيمان والإخلاص { ومن خفت موازينه } يعني إذا جاء بالكفر. وإنما المعنى: أن الناس يجازون على أعمالهم، بالحق والقسط والعدل.
وقال بعض المسلمين: هو مقابلة الأعمال بالأعمال. وقد قال الله تعالى: { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان } فقد رأينا الكتاب، ودلونا بالميزان. أين أنزله، إن كان كما ذكرتم. وهذا موجود في اللغة. قال الشاعر:
... وزن الكلام إذا نطقت فإنه ... ... يبدى عيوب ذوي الكلام المنطق
والكلام عرض لا يوزن بميزان وإنما مراده التأمل والمجازاة.
Shafi 133