عدلي يسهر كل يوم إلى الفجر، يلعب القمار في جنيف ولا يكفيه أي مال، بل إن صحته وهو الشاب لم تعد تستطيع أن تتحمل ما يصنعه بها.
مرتبه وإيراده الذي يذهب إليه هناك يقذف به جميعا على مائدة القمار، بل إنه حتى لا يتناول من الطعام ما يقيم أوده؛ فهو يفضل أن يلعب القمار عن أن يتناول الطعام الذي يحتاج إليه جسمه، فهو لا يذهب إلى الفندق إلا بعد الظهر لينام ساعتين ثم يستأنف، وكل هذا ما كان يحتاج إلى وكيل الوزارة ليأتي به إلى زكريا باشا.
لقد نضب المال من يد عدلي؛ فإذا هو يطلب من الفندق الذي ينزل به أن يصرف له شيكا يقدر بالنقود المصرية بحوالي خمسمائة جنيه، وقد قصد أن يطلب صرف الشيك في يوم سبت حتى تكون البنوك مقفلة في يوم الأحد، ظانا أنه يستطيع أن يكسب فيودع المبلغ في البنك قبل أن يقدمه الفندق.
لم يكسب.
وطرده الفندق وطالب السفير المصري بالشيك وحساب الفندق.
دفع السفير، ولم يشأ أن يخبر الوزير لأنه يعرف أنه صديق الباشا ، وأخبر وكيل الوزارة.
طبعا دفع الباشا كل ما أخبره به وكيل الوزارة، وما إن ودعه إلى الباب حتى عاد إلى التليفون ملهوفا: راوية. - أفندم سعادة الباشا. - تعالي حالا!
وحين جاءت: كم ترسل لك دائرة عدلي كل شهر؟
وتسمرت عينا راوية على الباشا وتقلصت خلجات وجهها، وحاولت أن تتماسك بكل ما يطيق البشر أن يتماسكوا، ولكن هيهات لدموع مثلها أن تغيض، لقد طفرت إلى سكب وراء سكب. - لا عليك يا ابنتي. لا عليك، خذي. - لا آخذ شيئا يا عمي. لا يمكن. - ستأخذين. - ألا يكفي أنك تربي هالة، وأنك رفضت أن تأخذ نصيبك من تركة نينا نعيمة هانم؟ - هذه أشياء ليس من شأنها أن تسقط واجب زوجك في الإنفاق عليك. - هذا خطؤه، وليس من المفروض أن تتحمل أخطاءه. - ومن يتحمل أخطاء الأبناء إلا آباؤهم؟ - ألا يكفي ما تحملته أنت من عدلي؟ - أنا لم أتحمل شيئا. - بعد كل هذا؟ - هذه كلها أخطائي أنا. ما دمت لم أحسن تربيته فعلي أن أتحمل كل ما يفعل. - من قال هذا؟ يا عمي الناس طبائع، وعدلي طبعه هكذا ولا ذنب لك أنت. - يا بنتي أنا لم أقم بواجبي نحو عدلي، وأنا الآن أحاول أن أستدرك الخطأ الذي وقعت فيه. خذي. - لا يمكن. - أنت تعرفين إلى أي حد يحترمني أبوك؟ - أعرف. - لا تضطريني أن أدعوه، وأعطيه ما يجب أن تأخذيه أنت.
وقبلت راوية المال، وانصرفت.
Shafi da ba'a sani ba