بدأ حياته الجديدة بداية لم تر مثلها القاهرة، ولا أحسب أنها ستراها. كانت هناك عمليات تجارية صغيرة، تعود أن يتركها ولا يعنى بها ليهتم بعمليات أكبر؛ عاد إلى هذه العمليات، ولكنه كان يريد أن ينتقل بسرعة. وكان قد انتوى أمام نفسه ألا يستغني عن أحد من الخدم أبدا، فقد استقروا في البيت منذ سنوات طوال وأصبح من غير الممكن أن يستغني عن أحد منهم، كان هناك شعور يجمعهم أنهم أسرة واحدة، لعل أحدا منهم لم يفصح للآخر بهذا الشعور، ولكنه راسخ في نفوسهم ربما إلى درجة عميقة وثابتة ومؤكدة؛ حتى ليصبح من العبث أن تكون موضوع حديث.
وهكذا بقي عبده خليل سائق السيارة دون أن تكون هناك سيارة، وسرعان ما نبتت الفكرة في ذهن راشد باشا.
والذين كانوا يعيشون في القاهرة هذه الأيام أصبحوا يرون منظرا عجيبا.
سعادة الباشا يركب موتوسيكل له مقعد جانبي؛ الذي يطلقون عليه سيدكار، يقود الموتوسيكل سائق غاية في أناقة المظهر، يلبس البذلة التي كانوا يطلقون عليها بذلة طلب، وهي تمتاز بسترة مقفلة عند الرقبة زرقاء داكنة الزرقة على حوافيها قطان أحمر، والبنطلون منتفخ من أعلى، تلقفه بعد ذلك رقبة طويلة لحذاء جلدي فاخر. هكذا كان ملبس عبده وهو يقود السيارة الباكار؛ نفس ملبس عبده خليل وهو يقود الموتوسيكل السيدكار الذي يركب سعادة الباشا في مقعده. حتى إذا أراد الباشا أن ينزل في مكان ما لبعض شأنه سارع عبده خليل يفتح باب السيدكار في عظمة ووقار، ونزل الباشا في سمته المهيب الذي تعود أن ينزل به من السيارة الباكار.
والباشا وهو يصنع هذا لا يفكر لحظة أنه يفعل شيئا يدعو إلى الدهشة، وفيم الدهشة أن الباشا يعتبر السيارة وسيلة لا غاية؟ والموتوسيكل وسيلة تؤدي الغرض نفسه، وراشد باشا برهان الذي كان يركب السيارة الباكار هو نفسه راشد باشا برهان الذي يركب الموتوسيكل السيدكار.
الفصل السادس عشر
دق جرس التليفون بمنزل زكريا باشا: أنا عبد القادر إبراهيم وكيل وزارة الخارجية يا معالي الباشا. - أهلا عبد القادر بك، أهلا وسهلا. - متى أستطيع أن أرى معاليك؟ - وقتما تشاء. - في أسرع وقت إذا أذنت سعادتك. - الآن إذا شئت.
عشر دقائق أكون عند معاليك.
السن والثقافة والتجارب جعلت زكريا باشا يبدو هادئا وهو ينتظر وكيل الوزارة، ولكنه كان واثقا أن شيئا يتصل بابنه عدلي في طريقه إليه. وقد تعود منذ سنوات ألا يصل شيء سعيد بابنه عدلي، أبت عليه تجاربه أن يفكر فيما يمكن أن يكون هذا الشيء.
وجاء وكيل الوزارة.
Shafi da ba'a sani ba