Kiran Gaskiya
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Nau'ikan
إلى الظل، وكلما زاد نجاحه في هذا «الكشف» الموهوم زاد الاحتجاب وأمعن السر في الخفاء. •••
وتبدأ الفقرة الثانية من هذا الفصل (السادس) بعبارة قد تبدو محيرة، وهكذا يحدث في أثناء ترك-الموجود، الذي يكشف عن الموجود بكليته ويحجبه في نفس الوقت، أن يظهر التحجب في المقام الأول في مظهر «المتحجب».
ولا بد أن يسأل القارئ نفسه: كيف يمكن أن يظهر التحجب، في حين أن الظهور لا يقال إلا على الشيء الذي يقدم نفسه لنا؛ بحيث تمكن معرفته أو التعرف عليه وإدراك ماهيته إدراكا واضحا؟
لا مفر من فهم كلمة «الظهور» - شأنها في ذلك شأن بعض الكلمات التي يستخدمها هيدجر كالحرية والحقيقة واللاحقيقة - بمعنى مختلف عن معناها المألوف في التراث أو لدى الحس المشترك والفهم العام، فظهور التحجب يدل هنا على أنه يتم بصورة يحسها «الموجود الإنساني»، لا بمعنى أن هذا الظهور يمكن أن يؤدي إلى ماهيته، ولا شك أن في إمكاننا أن نجرب ظاهرة ونحس بها وتبقى مع ذلك محوطة بالسر، فظهور التحجب لا يعني اختفاء هذا التحجب وزواله.
وظهور هذا التحجب مرتبط بالموجود الإنساني: «إن الموجود الإنساني، بقدر ما يتخارج، يتعهد (أو يؤدي إلى) أول وأوسع عدم-تكشف، أي اللاحقيقة الأصلية»، هل يتناقض هذا مع ما سبق قوله من أن التحجب أقدم من ترك-الموجود نفسه؟ الواقع أن المسألة لم تكن مسألة ترتيب تاريخي، بل مسألة ترتيب في الأساس وما يتأسس عليه، وهذا الترتيب لم يتغير في الحالين.
وتعود الفقرة التالية إلى مشكلة الحرية فنقرأ هذه العبارة: «إن الحرية بوصفها ترك-الموجود-يوجد، هي في ذاتها علاقة منفتحة، أي علاقة غير مغلقة على نفسها.»
معنى هذا أن الحرية - من حيث هي ترك-الموجود-يوجد - أسلوب في الحياة يلزم الموجود الإنساني، كما يلزمه بالانفتاح على الأشياء، على هذا الانفتاح يقوم مسلك الموجود الإنساني تجاه الموجود، وعلى الرغم من هذا الانفتاح يخفي الموجود الإنساني عن نفسه علاقته بالتحجب، غير أن هذا الإخفاء نفسه يفترض الانفتاح؛ لأن التحجب أسبق من الموجود الإنساني نفسه، ولأنه لا يملك أن ينكشف أو يحتجب إلا عن طريق كائن قادر على الانفتاح.
لكن هذا الكائن المنفتح الذي سميناه بالموجود الإنساني يحدث له أثناء فعل الترك
149
أن يفقد علاقته الأساسية بالسر أو ينساها، صحيح أن هذا النسيان لا يفسد علاقتنا بالموجود الجزئي، ولكنه يوجه هذه العلاقة في اتجاه خاص، ويصرفها إلى الخصائص التي تحدد الموجود وتعينه، والنتيجة أن يتمسك الإنسان بالواقع المعتاد الذي يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه، حتى في الأحوال التي تستوجب النظر في المسائل الأولى والأخيرة، أي أن نسيان السر يؤدي إلى إضعاف معنى وجود الموجود؛ بحيث يعجز الإنسان عن رؤية الوجود نفسه في الموجود، فيعده موجودا حاضرا أمامه وحسب، ويشغل بحصر خصائصه وتحديداته بغية التحكم فيه والسيطرة عليه، وبهذا ينسى الإنسان المشكلات الحقيقية وتغيب عنه المسائل الأولى والأخيرة، ويغرق في الحاضر المباشر، ويبذل كل ما في وسعه لمد سلطاته على العالم وتنصيب نفسه إمبراطورا على عرشه! ويبتعد عن السر الذي يربطه بالموجود بكليته، وتصبح ذاته هي المحور الذي يدور حوله كل شيء، ويتخذ من حاجاته ومعارفه وتطلعاته المعيار الذي يقيس به كل شيء، وإذا كانت كلمة الذات والذاتية قد ترددت في السطور السابقة، فلا ينبغي - كما تقدم - أن يغيب عن بالنا أن هيدجر أبعد ما يكون عن المفاهيم «الأنثروبولوجية» المعتادة عن الذاتية بعده عن كل تصور تقليدي للنزعة الإنسانية، فحين يتخذ الإنسان من ذاته مقياسا لجميع الكائنات ، لا بد أن يخطئ في القياس ويختل في يده الميزان.
Shafi da ba'a sani ba