Kiran Gaskiya
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Nau'ikan
75
حتم على الموجود-الإنساني أن يتحمل موته بنفسه، وبقدر ما يكون الموت، يكون أساسا موتي أنا.
76
ليس الموت «حدثا» أو «حالة وفاة» أو نهاية تبلغها الأنا بعد أن تقطع عمرا طويلا أو قصيرا، كما تصور لها الأنطولوجيا التقليدية التي تتناول الموجودات الحاضرة أمامها دون تمييز، وتعد الإنسان واحدا منها يسري عليه ما يسري عليها من مقولات، إنما الموت ظاهرة لا بد أن تفهم فهما وجوديا، ولا بد من توضيح معناها المتميز وتحديد معالمه.
كيف نفهم الموت باعتباره نهاية الموجود الإنساني؟ أهو صيرورته إلى ما لم يكنه بعد؟ أهو اكتمال تحققه أو السير نحو تحقيقه على نحو ما تكتمل الثمرة وتنضج من داخلها؟ ولكن كم من موجود-إنساني انتهى قبل أن يبلغ الكمال! وكم من موجود-إنساني بلغ الكمال قبل موته، أو انتهى - وهذا هو الأغلب الأعم - مستهلكا وبعيدا كل البعد عن الكمال! فكيف يكون الموت نهاية الموجود-الإنساني؟ أهو توقف وانقطاع، كما يتوقف المطر مثلا؟ لكن وجود الموجود-الإنساني مختلف كل الاختلاف عن وجود الأشياء الحاضرة أمامنا أو الأشياء التي نستخدمها ونتناولها بأيدينا، ولا وجه للمقارنة بين النهاية في الحالين.
بقدر ما يكون الموجود-الإنساني، ما بقي كائنا، هو ما ليس بعد، بقدر ما يكون دائما هو نهايته، والانتهاء الذي نصفه بالموت لا يعني بلوغ النهاية، بل يعني الوجود من أجل الانتهاء، الموت أسلوب وجود أو كينونة يتحمله الموجود-الإنساني ما بقي كائنا - ولعل عبارة وردت في إحدى القصص الألمانية الشهيرة في العصور الوسطى - وهي قصة الفلاح من بوهيميا للشاعر يوهانيس فون تيبل - أن تكون بالغة الدلالة على أن الموت ليس حدثا ولا واقعة، وإنما يتغلغل في حياتنا كل لحظة من الميلاد إلى الوفاة: «ما إن يأتي الإنسان إلى الحياة حتى يصبح شيخا هرما ناضجا للموت!»
77
الموت ظاهرة من ظواهر الحياة، والحياة أسلوب وجود مرتبط بالوجود-في- العالم، فكأن الموت هو إمكانية عدم-الوجود-في العالم أو إمكانية استحالة كل إمكانية! وعبثا نحاول أن نفهم الموت من تجربتنا بموت الآخرين أو من الملاحظات التي تجمعها علوم الحياة والطب والنفس واللاهوت والتاريخ والأثنولوجيا والأنثروبولوجيا ... إلخ عن ظواهر الحياة والموت؛ لأن التفسير الوجودي للموت - أي موتي أنا - يتقدم على هذه التفسيرات جميعا ويفترضها.
ولكن من منا يبلغ هذا الفهم الأصيل للوجود-للموت؟ ألا نعيش حياتنا اليومية مقيدين بحياة «التوسط» وما يقوله الناس ويملونه علينا؟ وما الذي يميز هذا الوجود اليومي للموت؛ هذا الوجود غير الأصيل الذي يلقي ظله علينا ويحاول دائما أن يمدنا بالراحة والعزاء ويخفي عنا فاجعة الموت؟
لن يتعذر علينا تبين ملامح هذا الوجود اليومي للموت؛ لأننا سنعرفها من خلال ما عرفناه من قبل عن «الناس» الذين يكونون الرأي العام ويعبرون عن أنفسهم باللغو والثرثرة، إن للناس أيضا فهمهم للوجود من أجل الموت، فكيف يفهمونه ويثرثرون حوله؟
Shafi da ba'a sani ba