ولهذا لم يعرف عن أحد من الصحابة أنه جعل تحريم الحلال لغوا بل جمهورهم كانوا يجعلونه يمينا ويجعلون فيه الكفارة المغلظة كفارة الظهار أو الكفارة الأخرى وهي كفارة اليمين المطلقة كما نقل ذلك عن الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وعن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما ومنهم من كان يجعله طلاقا كما نقل عن علي وزيد وابن عمر ولم ينقل عن أحد منهم أنه جعله لغوا لكن بعض التابعين قال ذلك كما نقل عن مسروق.
فدلت الآثار المنقولة عن الصحابة على أن تحريم الحلال عندهم عقد من العقود فيه الكفارة أو الطلاق والنذر عقد من العقود كما أن اليمين المعروفة عقد من العقود وأن هذه الأيمان جميعا لا بد فيها من البر أو الكفارة.
ولكن الذين بعدهم لم يكن لهم فقههم وعلمهم فظنوا أن بعض ذلك خارج عن مسمى اليمين فمنهم من أخرج تحريم الحلال ومنهم من أخرج النذر ومنهم من أخرج بعض الأيمان.
وهذا كما أن الله لما ذكر الخمر والميسر كان الصحابة أعلم بمعاني كتاب الله ممن بعدهم فعلموا أن كل مسكر خمر فحرموا كل مسكر ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أباح شرب مسكر لكن طائفة ممن بعدهم قصر فهمهم عن هذا فظنوا أن اسم الخمر هو لعصير العنب خاصة كما ظن من ظن أن اسم اليمين هو القسم بالله خاصة وكذلك الصحابة نهوا عن النرد والشطرنج وغيرهما ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أباح شيئا من ذلك فقصر فهم طائفة ممن جاء بعدهم عن فهمهم فظنوا أن بعض هذه الأمور خارجة عن مسمى الميسر الذي حرمه الله تعالى.
وروى الخلال في كتابه عن جعفر بن عبد السلام قال قلت لأبي عبد الله وقد كتبت عنه كتاب المسح على الخفين فكان فيه اختلاف عن عائشة وسعيد بن جبير أنهم لم يروا المسح وكتبت عنه كتاب الأشربة فلم أر فيه شيئا من الرخصة قلت يا أبا عبد الله كيف لم تجعل في كتاب الأشربة الرخصة كما جعلت في المسح فقال ليس في الرخصة في المسكر حديث صحيح.
Shafi 60