ونحن إذا نظرنا إلى تفاسير الطوائف المختلفة حول هذه الآية، رأينا التفسير الثالث يدل بالالتزام دلالة عقلية واضحة لا شك فيها، أن الله سبحانه وتعالى جسم، لأن الرؤية لا تكون إلا للأجسام وتوابعها من الأعراض.
وقولهم: إن الله سبحانه يرى بلا كيف، بزيادة بلا كيف، هروب منهم إلى غير مهرب، فإن من لازم الرؤية الكيف، ومحال أن ترى شيئا وهو في غير جهة من الجهات، فيلزمهم بالضرورة إما التجسيم أوالقول بالمحال وكلاهما باطل، أما الأول فبالإجماع، وأما الثاني فبضرورة العقل.
أما التفسيران الأولان فلا يلزم منهما ما لزم من التفسير الثالث، بل أكثر ما نقدا به هو أنهما خلاف ظاهر الآية، ولا يجوز التفسير بغير ظاهر المعنى لأنه تحريف، فكان الواجب من أهل التفسيرين أن التفسير بغير الظاهر لا يجوز كما قلتم، ولكن التفسير بالظاهر هنا مناقض لتلك الأصول المتفق عليها، ولا يصح ولا يجوز تناقض القرآن، وضرب بعضه لبعض، وإبطال بعضه ببعض، فعدلنا إلى خلاف الظاهر للضرورة، مع أنا لم نخرج في تفسيرنا عن لغة القرآن فقد فسرنا النظر بمعنى الإنتظار وهو شائع في اللغة وفي القرآن كقوله تعالى: ((فناظرة بم يرجع المرسلون)) [النمل:35]، ((انظرونا نقتبس من نوركم))، ((وقولوا انظرنا واسمعوا)). بل إن كثيرا مما ورد في القرآن من النظر ومشتقاته بمعنى الإنتظار، وقد روي من شعر حسان قوله:
Shafi 39