فقال له جعفر: خذ لك ثلاث أواق من هبوب الريح، وثلاث أواق من شعاع الشمس، وثلاث أواق من زهر القمر، وثلاث أواق من نور السراج، واجمع الجميع، وضعها في الهواء ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك ضعها في هاون بلا قعر ودقها ثلاثة أشهر، فإذا دققتها فضعها في وعاء مشقوق وضع الوعاء في الهواء ثلاثة أشهر، ثم استعمل هذا الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم، واستمر على ذلك، فإنك تعافى إن شاء الله.
فلما سمع الشيخ كلام جعفر قال: لا عفاك الله، خذ مني هذه اللطمة مكافأة لك على وصفك هذا الدواء، وبادره بضربة على أم رأسه. فضحك هارون الرشيد حتى استلقى، وأمر لذلك الرجل بثلاثة آلاف درهم. «من قال كلاما لا يعنيه، سمع كلاما لا يرضيه.» (19) رسول قيصر وعمر بن الخطاب
أرسل قيصر رسولا إلى عمر بن الخطاب؛ لينظر أحواله، ويشاهد أفعاله، فلما دخل المدينة سأل أهلها وقال: أين ملككم؟ فقالوا: ما لنا ملك، بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة. فخرج الرسول في طلبه، فرآه نائما في الشمس على الأرض فوق الرمل الحار، وقد وضع صرة كالوسادة، والعرق يسقط من جبينه إلى أن بل الأرض.
فلما رآه على هذه الحالة؛ وقع الخشوع في قلبه، وقال: رجل يكون جميع الملوك لا يقر لهم قرار في هيبته، وتكون هذه حاله! ولكنك يا عمر عدلت؛ فأمنت؛ فنمت، وملكنا يجور، فلا جرم أنه لا يزال ساهرا خائفا. (20) أبو جعفر ومعن
دخل معن بن زائدة على أبي جعفر فقال له: كبرت يا معن. قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. قال: وإنك تتجلد. قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين. قال: وإن فيك لبقية. قال: هي لك يا أمير المؤمنين. قال: أي الدولتين أحب إليك أو أبغض، أدولتنا أم دولة بني أمية؟ قال: ذلك إليك يا أمير المؤمنين، إن زاد برك
26
على برهم كانت دولتك أحب إلي، وإن زاد برهم على برك كانت دولتهم أحب إلي. قال: صدقت. (21) عروة وعبد الملك
دخل عروة بن الزبير مع عبد الملك بن مروان إلى بستان، وكان عروة معرضا عن الدنيا، فحين رأى في البستان ما رأى قال: ما أحسن هذا البستان! فقال له عبد الملك: أنت والله أحسن منه؛ لأنه يؤتي أكله كل عام، وأنت تؤتي أكلك كل يوم. (22) أبو دلامة والخليفة السفاح
كان أبو دلامة الشاعر واقفا بين يدي السفاح في بعض الأيام، فقال له الخليفة: سلني حاجتك. فقال له أبو دلامة: أريد كلب صيد. فقال: أعطوه إياه. فقال: وأريد دابة أتصيد عليها. قال: أعطوه إياها. قال: وغلاما يقود الكلب، ويصيد به. قال: أعطوه غلاما. قال: وجارية تصلح الصيد وتطعمنا منه. قال: أعطوه جارية. قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عبيدك، فلا بد لهم من دار يسكنونها. فقال: أعطوه دارا تجمعهم. قال: وإن لم يكن لهم ضيعة، فمن أين يعيشون؟ قال: وهبتك عشر ضياع غامرة. قال: وما الغامرة يا أمير المؤمنين؟ قال: ما لا نبات فيها. قال: قد أقطعتك يا أمير المؤمنين مائة ضيعة غامرة من فيافي بني أسد. فضحك منه، وقال: اجعلوها كلها عامرة.
Shafi da ba'a sani ba