فقال الرجل متشائما: ثلاثة أشهر؟ إنها والحق يقال لأجل قريب، وقد أمهلوا ألمانيا اثنتين وأربعين سنة.
ومعروف أن الحلفاء في مؤتمر باريس الذي التأم في أواخر شهر يناير سنة 1921 قرروا أن تدفع ألمانيا الغرامة الحربية أقساطا لمدة اثنتين وأربعين سنة. •••
تأثير الشدائد على الأخلاق: من المتعارف بين أمم الأرض طرا أن الشدائد والضيقات تصيب من أخلاق الناس وتنال منها ما يقضي في أغلب الأحيان بتطورات جديدة في البيئات والعادات ولا أدل على هذا الأمر من هذه الحرب التي قلبت وجه الأرض بطنا لظهر بحيث أصبح العفيف فاسقا والسكير الفاسق عفيفا والقاسي القلب حنونا والبر الشفوق فظا قاسيا ... إلخ على أن هذه الشدائد مع ما أحدثت من ضروب الخراب والدمار ومع ما دفعت الكثيرين إلى ارتكاب ما لم يكونوا ليقدموا عليه من المنكرات تملصا من مخالب الجوع القتال لم تنل من بعض الشعب اللبناني منالها فيما يلابس الأنفة والإباء؛ فقد روى لنا بعض من شهود العيان الثقات أن القوم مع كل ما نابهم من نوائب الجوع ونالهم من عضات أنيابه القاسية لم يقدموا بتة على ما لا يحجم عنه سواهم في غير بلاد بحيث كانت خدم الأغنياء تمر في الشوارع وعلى رءوسها أطباق العيش عائدة من الأفران، وليس من يتعرض لها في السبيل كأن أولئك المتضورين جوعا لم يباتوا على الطوى أنفة وإباء، ولكنهم لا يلبثون أن تطويهم الأرض مؤثرين الترفع على اقتراف ما يخال لهم أنه مخل بذلك الخلق الكريم إنما المرء على ما شب يشيب وإن ساورته المحن والكروب. •••
لجلالة ملك الإنكليز ميل فطري إلى جمع طوابع البوستة حتى لقد اشتهر ذلك عنه اشتهار الغواة بجمعها فعنده مجموعة منها نفيسة جدا لا تقوم بثمن، وقد رأى جلالته أن يهدي إلى صندوق الإعانة الوطني البريطاني طابع بوستة إنكليزي ثمين منها فقدمه إليها وعرضت هي الطابع في المزاد فبيع بخمسين جنيها.
وكتب بخط يده: إن هذا الطابع بتسعة بنسات رقم 5 لبريطانيا العظمى أخذ من مجموعتي وأعطي ليباع في مزاد الإعانة الوطنية لغواة جمع طوابع البوستة في سبتمبر سنة 1915 «جورج». •••
حكى السر ريدر الكاتب والسياسي الشهير والخبير جدا بمعرفة المواشي قال: كنت يوما أنتقي مواشي لتنحر للجنود فقلت، وقد وضعت يدي على ماشية أنا أحزر كم أقة تزن وكان هناك ولد صغير، فقال لي أتعطيني جنيها إذا حزرت أنا أيضا حزرك أو ما يقرب منه؟ قال السر: نعم، وأنا أقول أنها تزن (كذا)، فقال الولد فورا: أنا أقول كذلك، ومد يده إلى السر ريدر ليأخذ الشرط، فقال السر: وماذا تعني؟ قال الولد: ألم أشترط عليك أنني إذا حزرت حزرك أو ما يقرب منه تنقدني جنيها، فضحك السر من ذكائه على صغر سنه ونفحه بجنيه. •••
احتاط الإيطاليون لمسألة البرد القارس والزمهرير والعواصف التي تعترض لجنودهم في أيام الشتاء في جبال الألب الشاهقة، ورأوا أن يجعلوا ملابس جنودهم كثيفة لا يخترقها البرد فصنعوا لهم بذلات بيضاء مبطنة بالصوف واللباد واختاروا اللون الأبيض خصيصا لمنع الأعداء من تمييز الجنود الذين يلبسون هذه البذلات لضياع اللون الأبيض مع لون الثلج فهذا الزي الغريب يذكرنا بملابس مكتشفي القطب الشمالي. •••
سر نصرة المارن الشهيرة: إن الكولونل فاجالد الفرنسوي الملحق العسكري في سفارة فرنسا في لندن روى في سياق خطبة ألقاها في لندن موضوعها «من شارلروي إلى المارن» الحادثة الغريبة الآتية التي حولت الحرب إلى مجراها: قال: في شهر سبتمبر سنة 1914 لما زحف الألمان على باريس بعزم أكيد، وصاروا على أبوابها وقع أوتومبيل أركان حرب الجيش الألماني السادس بيد الجنود الفرنسويين وعثروا في الأوتومبيل على شنطة كبيرة حوت طعاما وملابس لضابط ألماني كبير كان عائدا على ما يظهر بتعليمات حربية من الجنرال فون كلوك الألماني، وعثروا في أسفل الشنطة على خارطة مخباءة فيها تفصيل الهجوم الألماني الذي يراد القيام به غداة ذلك اليوم، والخريطة دقيقة بجزئياتها وتفاصيلها فقد ذكرت فيها وحدات الجيوش الألمانية ومقاديرها والأوقات التي تبلغ فيها نقطا معينة، وعرف منها الفرنسويون ما كانوا يجهلونه من أن الهجوم على وادي الواز الذي كانوا يتوقعونه أبدل سرا وخفية بزحف سريع على باريس، فما كان من الكبتن فاجالد إلا أن أرسل إشارة تلفونية لما وقعت الخارطة بيده إلى مركز رئاسة الجيش بما حوته من الأخبار السرية الهامة فوجه في الحال الجنرال جالياني الفرنسوي جيشا على جناح فون كلوك حيث كان الطريق مفتوحا أمامه إلى باريس، وهكذا رجحت كفة الفرنسويين على جيش فون كلوك في معركة المارن الفاصلة التاريخية. •••
من فرنسا إلى روسيا: مرشال الطيار الفرنسوي الذي اشتهر بطيرانه الأخير من فرنسا إلى بولونيا في روسيا في شهر يونيو 1916 مارا فوق مدن ألمانيا وعواصمها ملقيا فوقها منشورات إلى سكانه - وعمر الطيار مرشال دون الرابعة والثلاثين وهو إلزاسي الموطن يجيد اللغة الألمانية كأحد أبنائها، ويعد في طليعة الطيارين الفرنسويين حذقا ومهارة، وكان قد استعد لرحلته الهوائية قبل أن يقوم بها ببضعة شهور فتمرن على قطع المسافات الشاسعة من غير أن ينزل إلى الأرض، ولكن الأقدار لم تساعده على بلوغ إربه في رحلته هذه والوصول إلى حلفائه الروس، فتعطل محرك الطيارة وهو على بعد مائة كيلومتر من مواقعهم، واضطر أن ينزل بطيارته إلى الأرض فوقع غنيمة باردة في أيدي النمسويين، وكان مرشال حاملا كتابا من الجنرال دي كستلنو يأمره فيه بإنشاء خط اتصال هوائي مع الحلفاء الروس من فوق بلاد الأعداء، وقام بمهمة ذات شأن كما تقدم القول؛ فإنه طار فوق مدن فرنكفورت وبرلين وبوزن وألقى عليها منشورات موضوعة في «ظروف»، وقد طبعت باللغة الألمانية وبسطت فيها أسباب الحرب وحالة الحرب كما كانت وقتئذ، وألقيت فيها المسئولية على عاتق الطبقة الحربية الألمانية التي جازفت بأرواح سكان ألمانيا وقامرت بهم. وكان مرشال يقذف هذه المنشورات وهو على ارتفاع 150 متر ولما هبط بطيارته كان قد اجتاز مسافة 1410 كيلومترات ولحسن الحظ أن النمسويين أكرموا معاملته ولم يعاملوه معاملة غيرهم. •••
عاد جندي شهد مواقع فردون، وأتيح له أن يزور باريس بإجازة قصيرة وفي أثناء إقامته بها زار منتدى فما وجد فيه إلا الأعضاء الشيوخ الطاعنين في السن أما الأعضاء الشبان فكانوا في ساحة القتال، فاحتاط الشيوخ بالزائر من كل جانب وكانوا من الذين شهدوا الحرب السبعينية وجعلوا يصغون إلى حديثه أتم إصغاء، ويبدون أعظم اهتمام، وكان هو يشرح لهم ما شهده من الأهوال وما أبداه الجنود الفرنسويون من الحمية والاستبسال. •••
Shafi da ba'a sani ba