مقدمة
نوادر الحرب العظمى
مقدمة
نوادر الحرب العظمى
نوادر الحرب العظمى
نوادر الحرب العظمى
جمع
يوسف البستاني
مقدمة
إذا استعاذ الناس من هول الحرب الرائعة التي وقعت فأوقعت في القلوب رعبا وترويعا وفي البيوت يتما وترميلا وفي الميادين قتلا وتفظيعا، وإذا رغبوا عن ترجيح ذكرها على الخواطر، فإنهم لا يأنفون أن يتذكروها بما وقع في أثنائها من حوادث غريبة ولطائف ظريفة ونكت مستملحة تبعث في النفوس زهوا وسرورا وتفعم الألباب سلوى وطربا.
Shafi da ba'a sani ba
وعليه فإذا أعدنا على القراء الكرام ذكرى هذه الحرب المشئومة، فإننا إنما نعيدها مجلوة ببدائع الوقائع ومزدانة بطلاوة المستغربات من الأمور، فيجدون في مطالعتها جليسا في الخلوة وأنيسا في الوحشة ويلتهون في ساعات الفراغ باللذيذ النافع من مروياتها.
ولقد عانينا مشقة كبرى في البحث عن هذه الفكاهات اللطيفة واختيارها من بين منثورات الجرائد المختلفة والمجلات المتعددة رغبة في إطراف قراء العربية الألباء بمجموعة موفورة فيها اللذة والفائدة وحرصا على استجماع أسباب التفكهة - خلوا من مساس بالأخلاق والآداب - لمن اعتادوا قراءة مطبوعات مكتبتنا «العرب» التي - يشهد الله - لا تألو جهدا ولا تدخر وسعا في وجوه إرضائهم.
لعلنا في هذه المختارات قد أتينا على ما أردناه من الفائدة والسلام.
يوسف توما البستاني
مصر في 28 يناير سنة 1921
نوادر الحرب العظمى
يروي الكتبة في هذه الحرب بعض الروايات التي تقرب من الخرافة أو الأكاذيب منها الرواية الآتية: قيل إن الجندي المكلف بعمل القهوة في الخندق للجنود الفرنسوية في إحدى الليالي عمل إبريقه، وحمله واجتاز الحدود الفرنسوية إلى جوار الخندق الألماني، فصرخ بجنوده قائلا: «هو أنتم يا قوم ألا تريدون قهوة؟» فنظر إليه أحد الجنود مبهوتا ظانا أنه ألماني يمزح، فقال له «اذهب إلى مكانك قبل أن تتساقط عليك القذائف كالمطر.» فعمل الجندي الفرنسوي بنصيحته، ولما رأوا أنه يتوجه إلى الخنادق الفرنسوية تأكدوا أنه من الأعداء، فأصلوه نارا حامية ولكنها كانت عليه بردا وسلاما، فرجع إلى خندقه سليما. •••
وروى محدث حكاية تصح أن تكون بعيدة التصديق، قال: سقط المصباح الكهربائي الذي ينير مرمى المدافع ليلا وانطفأ وهو على مقربة من خنادق الألمان، فقال الضابط للجندي: علق هذا المصباح في مسماره الخاص به. فنهض الجندي من خندقه وصعد على سلم وعلق المصباح، ثم التفت إلى الألمان وهو واقف على السلم، وقال لهم: اطلقوا الآن النار علي.
فالتفت إليه الضابط، وقال له: انزل حالا قبل أن يشويك رصاص الأعداء.
فنزل الجندي عن السلم بكل رباطة جأش كأنما هو ينزل سلما داخل منزل على مرمى من رصاص الأعداء. •••
Shafi da ba'a sani ba
القواد الفرنسيون وما أصابهم في هذه الحرب: نشرت إحدى الصحف الفرنسوية أسماء بعض القواد الفرنسويين الذين فجعوا بفقد ذويهم في هذه الحرب، فقالت: «فجع الجنرال كستلنو بثلاثة من أنجاله، والجنرال فوك بنجل واحد وصهر، والجنرال دسبريه بثلاثة من أنجاله، والجنرال بويد راجوين بنجلين، والجنرال لاردمان بنجلين، والجنرال نيرود بنجلين، والجنرال جانفال (الذي قتل في الدردنيل) بصهر، والجنرال لانوفل بصهريه، وكل من الجنرال مودوي والجنرال داماد والجنرال أبنير والجنرال بنوى والجنرال بونال والجنرال فالك والجنرال مارجوله والجنرال شايي والأميرال أميت والجنرال لويس والجنرال كورفيزار والجنرال لستراك والجنرال لستابي والجنرال بونفه والجنرال ديودونه بنجل واحد، وكل من الجنرال موندازيه والجنرال ناسار بصهر، والجنرال ريفوار باثنين من أنجاله، والجنرال مورلنكور بصهره، والجنرال ونكل مابر بنجله، والجنرال كوفمان بنجليه، وكل من الجنرال بليسيه والجنرال هيمان والجنرال بوند والأميرال سوريان والأميرال أملو والأميرال بيش والأميرال لوففر بنجل واحد، والأميرال مارول بصهره.» •••
الروسيات في الحرب: انتظم كثيرات من الروسيات في جيش روسيا المحارب وأتين أفعالا تشهد لهن بالفروسية والمهارة في الفنون الحربية.
فمدام كوفتسا رقيت إلى رتبة كولونل وأحرزت أوسمة كثيرة وهي كانت تقود فرقة من الجنود، وقد سئلت مرارا لماذا انتظمت في الجيش، فكانت تقول: «القيصر يطلب مني أن أدافع عن الوطن.» ومن أفعالها أنها ترسل الطيارات؛ ليستطلعوا لها مواقع الأعداء فإذا أخبرها الطيارون بأن بضع مئات منهم في جهة ما أرسلت عليهم طليعة صغيرة في الليل؛ ليبيتوهم فيطلقوا البندقيات عليهم من جهات عديدة وهم متوارون بعدما يستفردون الحراس ويقتلونهم فيقع الارتباك الشديد في جنود الأعداء، وقد يقتل بعضهم بعضا، ووصلت فتاة إلى «كيف» مجروحة في ذراعها وساقها وكانت قد ركبت طيارة في شرق بروسيا تستطلع جيوش العدو فجرحت ولكنها ظلت في طيارتها تديرها بجلد ومهارة حتى عادت بها إلى المعسكر وأخبرت بما رأت، وهذه الفتاة نائلة الشهادة من إحدى مدارس بتروغراد العالمية.
وفي إحدى الفرق الروسية فتاة اسمها فيلنا في الثانية عشرة من عمرها جرحت وأصيبت بالتيفوس، ولما شفيت عادت إلى فرقتها تحارب بشجاعة وبسالة، وقد انتظمت في الجيش في شهر أكتوبر سنة 1914، وجاء في مكتوب أرسلته إلى والدتها أن في فرقتها ثلاث فتيات أيضا يحاربن مع الجنود.
وانتظمت ابنة الكولونل توملوفسكي في الجيش وعمرها عشرون سنة فقصت شعرها وارتدت ملابس عسكرية وسارت مع والدها إلى ساحة الحرب وقاتلت في عدة معارك، ثم استخدمت في التلغراف وتمكنت بمهارتها من أخذ صورة تلغراف ألماني لا سلكي جاء فيه أن الألمان عازمون على مهاجمة قلب إحدى الفرق الروسية وأخذه على غرة، فاستعدت تلك الفرقة للقتال وكانت النتيجة أن المهاجمين الألمان نزلت بهم خسارة عظيمة جدا، وكان في جيش والدها أربعمائة فتاة وسيدة يحاربن من أجل القيصر والوطن.
ومما يذكر بهذا الصدد إن القيصر قلد بيده إحدى الدوقات الروسيات وساما ساميا جزاء ما أظهرته من البسالة فخلدت بذلك اسم أجدادها العظام الذين لهم في تاريخ حروب روسيا ذكر مجيد، وقد كتم اسمها لأسباب. وتحرير خبر انتظامها في الجيش أنها تزوجت بضابط وبعد صلاة الإكليل سارت معه متطوعة في الجيش ولم يجد توسل زوجها إليها بألا ترافقه، والخلاصة أنها ارتدت بذلة جندي ورافقته إلى الخنادق، وقد علم قائد الفرقة بأمرها فغض الطرف عنها، ورقي زوجها إلى رتبة كبتن ورقيت هي إلى رتبة ملازم، واتفق في معركة شديدة أن زوجها الكبتن أمر جنوده بالانسحاب إلى وراء خنادقهم فأبوا إطاعة أمره وظلوا يقاتلون تحت وابل من رصاص الأعداء فأمرها زوجها أن تحمل أمره وتسير به إلى الخنادق الأمامية؛ لأنه لم يكن قادرا على ترك مكانه فأطاعت وسارت ولكنهم عصوا الأمر فتناولت بندقيتها وضربت بها عسكريا وآخر وآخر أيضا، فأطاع الجنود الأمر وظلت هي واقفة في مكانها والرصاص يمرق قربها ويتساقط حولها حتى انسحب الجنود جميعهم، وسارت هي وراءهم وبعد عشر دقائق من انسحابها دمر الأعداء تلك الخنادق بوابل من القنابل المتفجرة فتحولت إلى أكوام وأطلال. •••
أدوات التوالت: احتدم الجدال بين فريق من الجنرالية في شمال فرنسا في الأسباب التي شيبت رءوس كثيرين من الضباط فأجمعوا على أن إجهادهم للعقل هو السبب الأكبر، ثم عرضوا الأمر على الجنرال جوفر، فقال ببساطته المعهودة: أظن أن ضباط جيوشنا البواسل لم تتيسر لهم «أدوات التوالت» في ساحات الحروب كما تتيسر لهم لو كانوا في بيوتهم، فضحك الجميع وسكتوا. •••
من غريب ما يذكر عن هذه الحرب إن جميع كبار رجالها ممن تعودوا النهوض باكرا من نومهم، يؤثر عن إمبراطور ألمانيا قوله: إن بني هوهتزلرن لا يلبسون «أقمصة نوم»، وقد كان يعيش في زمان السلم عيشة عسكرية من حيث نومه، فإن سريره وملابسه مثل أسرة ضباطه وملابسهم، ينام الساعة 11 كل ليلة وينهض الساعة الخامسة صباحا.
أما ملك إيطاليا فينهض الساعة 6 وملك البلجيك الساعة 5 وأما اللورد كتشنر فينام 6 ساعات، والسرجون فرانش لا يبالي أنام أم لم ينم. يحكى عنه أنه أعطى فراشه ذات مرة في حرب البوير لضابط أصغر منه، وقال لا يهمني أين أسند رأسي، ثم التحف بعباءته العسكرية وافترش الغبراء.
هذا في الحرب التي نحن بصددها، أما رجال الحرب من أهل العصر الخالي فأشهر من اشتهر منهم بقلة النوم والنهوض باكرا نابليون وخصمه ولنتن، وعند الإنكليز مثل يقول: إن النوم الباكر والقيام الباكر يجعلان المرء ذا عافية وسعة وحكمة. •••
Shafi da ba'a sani ba
أصيب جندي في هذه الحرب بفقد ذاكرته وبصره وشمه وذوقه وقتيا، ثم أعيدت إليه بالتنويم المغنطيسي، وكان سبب فقده إياها انفجار قنبلة بالقرب منه فلم تصبه شظية من شظاياها ولكن ناله ما ناله بفعل تصادم دقائق الهواء، فجيء به وأجلس على كرسي، ثم نوم تنويما خفيفا بالطريقة المعتادة وقيل له أن أزل كل شاغل من رأسك واحصر أفكارك في مسألة شفائك، ثم قال له المنوم بهدوء: إن عينيك شفيتا، وقد عدت مبصرا كما كنت، وفعل مثل ذلك بذاكرته وشمه وذوقه فعادت إليه.
وفي بعض الحالات تكفي جلسة واحدة لإزالة العاهات الوقتية وفي بعضها يضطر المنوم إلى جلستين أو ثلاث، فإذا لم يشف المصاب تماما حسن حاله كثيرا. •••
أكبر منارة (فنار) في الدنيا هي منارة خليج هليجولند، وهليجولند هذه جزيرة في البحر الشمالي على مقربة من الساحل الألماني تنازلت إنكلترا عنها لألمانيا سنة 1890 مقابل تعويض أخذته إنكلترا في شرق أفريقيا.
أما مصباح هذه المنارة فكهربائي قوة نوره تعادل قوة 40 مليون شمعة. •••
لم تدر الأيام على مدينة من مدن أوروبا دورتها على مدينة وارسو أو فرسوفيا عاصمة بولندا الروسية، فقد بنيت سنة 850 للمسيح وكانت عاصمة دوقية مازوفيا وبقيت كذلك إلى القرن الخامس عشر فضمت إذ ذاك إلى بولندا، وفي القرن السابع عشر اختلفت أسوج وروسيا والنمسا وبراندنبرج عليها، ثم ضمتها روسيا إلى أملاكها في أواسط القرن الثامن عشر، وفي أواخره أعطيت لبروسيا ولكن نابليون احتلها سنة 1806، ثم نودي باستقلالها في معاهدة تلست، واحتلها النمسويون سنة 1809، ثم فقدوها وأعطيت استقلالا قصير العمر إذ عادت روسيا فضمتها إلى أملاكها، وهي في هذه الحرب «أشهر من قفا نبك». •••
لما حرم القيصر على شعبه شرب المسكر قامت إنكلترا وفرنسا تحذوان حذوه فحرم ملك الإنكليز على بطانته كل مشروب روحي، وكذلك فعل بعض كبراء الإنكليز، وسعى مجلس النواب في سن قانون بهذا الشأن، ثم أجل مسعاه إلى وقت أكثر ملاءمة من الوقت الحاضر، أما فرنسا فحرمت «الأبسنت» وهي شارعة في تحريم غيره بقوانين تسنها.
حركة مباركة ولكن الناس يريدون أن يقام لهم مقام الخمر المحرمة أشربة محللة يتلهون بها ويتعزون عن بنت الدوالي، فأهل روسيا يفكرون في اتخاذ شراب اسمه «شتنيا» شرابا وطنيا يشربونه على ذكر الحبيب بدل مدامة الشعراء ويكون نخبهم في حفلاتهم الكبرى العمومية، وهو يستعمل عندهم شتاء، والآن يريدون استعماله على مدار السنة، وقوامه العسل والفلفل والماء الحار واللبن، فهو أقرب إلى الطعام منه إلى الشراب، والذين ذاقوه يقولون أنه أطيب طعما من شراب مشهور عند الإسكيمو سكان الأصقاع الباردة ومركب من ماء سخين وشجر سائل ودم الغزال المعروف عندهم.
وكان الإنكليز القدماء مولعين بشرب مركب من العرقي وماء اليانسون وماء الورد وماء الخشخاش مضافا إلى هذه المياه الزبيب والثمر والقرفة وعرق السوس وأشياء أخرى، فهو بذلك مزيج غريب غير متلائم الأجزاء كأن تأخذ كأسا من العرقي وتضيف إليها كأسا من شراب الورد فالخشخاش فعرق السوس، ثم تشرب الكل معا، لا نظن مزيجا مثل هذا يسوغ شربه فلذلك نعذر الإنكليز معاصرينا إذا نعتوه «بأفظع المشروبات». •••
سئل رجل إنكليزي هل تهتم قرينتك بالحرب؟ قال: نعم، ولا حديث لها إلا بها، فقيل له ألا تتمنى شيئا؟ قال: نعم، تتمنى ذهابي إلى ساحتها لخدمة وطني ظاهرا وقلبي يحدثني أنها تتمناه للخلاص مني باطنا. •••
أقيمت في إحدى مدائن إنكلترا وليمة كان من المدعوين إليها سيدتان شقيقتان إحداهما أرملة والثانية متزوجة وقرينها في الهند، فلما أدخل المدعوون إلى غرفة الطعام زوجين زوجين كما هي العادة سئل أحد المحامين أن يدخل برفقة السيدة الأرملة ففعل وكان يظنها أختها المتزوجة، فجلسوا للطعام وبدأت الأرملة الحديث بقولها: ما أشد حر هذا النهار! قال المحامي: نعم إنه شديد الحر ولكن شتان بين حره وحر المكان الذي يقيم بعلك فيه! •••
Shafi da ba'a sani ba
عملية جراحية وسجن سنتين وغرامة ألف جنيه لقراءة جديدة: قالت جريدة «الطان» إن النائب البلجيكي مسيو فان ده فيان أضاف عنده بعض الضباط الألمان، وبعد تناول الطعام قال النائب لضابط منهم: إنني قرأت أنكم خسرتم وقعة كذا في الميدان الغربي فدهش الضابط، وقال له: من أين عرفت ذلك وفي أي شيء قرأته، فقال: إنني قرأت ذلك في جريدة التيمس التي وصلتني أخيرا. فقال الألماني: وهل تأتيك التيمس؟ ومن أي طريق؟ فقال النائب: إنني لا أقدر أن أقول لك كيف تأتيني، وإذا شئت أن تعرف صدق قولي فها هو العدد الأخير. وقدمه للضابط الذي أبلغ عنه البوليس وقبض عليه بعد أن فتشوا منزله، وحوكم فحكم عليه غيابيا بالسجن سنتين وغرامة ألف جنيه، فطعن في الحكم لأنه كان مريضا، فأرسلوه إلى المستشفى وعملوا له عملية جراحية وبعد أيام أرسلوه إلى قلعة يسجن بها هذه المدة وأخذوا من أسرته ألف جنيه؛ كل ذلك لأنه قرأ جريدة إنكليزية «وهذا جزاء من يضيف الأعداء عنده.» •••
مصائب بولندا: كتب ذو حنان في التيمس مقالا يطلب فيه الرحمة لأولئك البائسين أهالي بولندا نقتطف منه ما يلي: «فتكت الحرب الحالية فتكا ذريعا بالميدان الشرقي وخصوصا بالبولنديين؛ فهي لم تذر للمدينة قائمة إلا هدمتها فخربت المساكن والحقول والحدائق والغابات وأودت بحياة الإنسان والحيوان معا فأصبح ما يبلغ مساحته من الأراضي مساحة إنكلترا واسكتلندا لا نبت به ولا حيوان وتخرب 200 مدينة و400 كنيسة و7500 قرية، وتقدر الخسائر بمبلغ 500000000 جنيه إنكليزي، وبقي 17000000 من الأهالي يلاقون البؤس من جراء الغارات المروعة، وهنا ما يربو على 10 ملايين من الأهالي ليس لهم صناعة وكان اعتمادهم على ما يزرعون فأصبحوا الآن بلا مأوى وفي جد الحاجة إلى القوت الضروري، ولا يمكن أحدا أن يتصور ما حل بتلك البلاد من المصائب التي لا يمكن أي قلم أن يصف ما هي عليه من محن وشقاء وتعاسة.» •••
الكلاب في الحروب: في فرنسا خمسة أجناس من الكلاب ترسل إلى ميادين القتال لتقوم بالمهام التي دربت عليها؛ فمنها كلاب تأخذ الرسائل من صفوف الجيوش التي في الأمام إلى المعسكرات المتأخرة، وهذه تدرب في بدء الأمر وهي صغيرة على أن تطيع طاعة عمياء وألا تخاف من دوي الرصاص وقصف المدافع ولكنها إذا رأت قنبلة سقطت في مكان هجمت عليها مفتشة عن الذين سقطوا على الأرض جرحى، فإذا أبصر كلب منها جريحا عاد إلى المعسكر ناهبا الأرض نهبا وأشار إلى ذلك إشارات معروفة للجنود فيسرع طبيب وبعض «النوبتجية» الذين يكونون في نوبتهم والكلب يعدو أمامهم إلى حيث الجريح.
واتفق أن كلبا حمل رسالة من خط قتال أمامي إلى ساقة الجيش فأصيب في أثناء سيره برصاصة كسرت فخذه اليمنى ولكن هذا الرسول الأمين لم يحجم عن أداء الواجب فعرج على ثلاث أرجل وسلم الرسالة وأبى ألا أن يعود من حيث أتى فرجع إلى الذين أرسلوه، وقد بعثوه إلى باريس حيث ضمد جرحه، ولما شفي عاد إلى شمال فرنسا ثانية للقيام بالواجب عليه.
وقد سفرت الحكومة في باريس ألفين وسبع مائة كلب على سكة الحديد إلى شمال فرنسا في شهر يناير الحالي لمحاربة الجرذان الكثيرة التي أقلقت الجنود في خنادقها، وقد ربت هذه الكلاب على حفر أوكار الجرذان أو صيدها وهي هاربة وقتلها. •••
إمبراطور النمسا والحرب الثالثة: كان إمبراطور النمسا يحادث الجنرال كنراد دي هنسندرف عن الحرب يوم أرسلت حكومته الإنذار النهائي إلى حكومة سربيا، فقال له: ألم تر قط حربا في حياتك؟ فقال: لا يا مولاي. فسكت الإمبراطور هنيهة، ثم قال متنفسا الصعداء: أما أنا فقد شهدت حربين، ثم تنفس الإمبراطور الصعداء خوفا من أن تكون هذه الحرب الثالثة التي يشاهدها الآن هي القاضية على إمبراطوريته؛ وعليه فكان. •••
إلى الحرب، إلى الواجب: كان للجنرال كستلنو الفرنسوي خمسة أنجال يدافعون عن الوطن في الجيش شمال فرنسا فقتل اثنان منهم في أول الحرب وأصيب الثالث بعاهة في الحرب، وقد ذكرت صحيفة إنكليزية أنه بينما كان يستعد لخوض معركة أبلغ أن ابنا له قتل فوقف دقيقة صامتا كأن على رأسه الطير، ثم زأر كالأسد الرئبال وصرخ في جنوده قائلا: «إلى الحرب إلى الواجب.» •••
بعد نشوب الحرب أمر ملك الإنكليز بأن يكون طعامه حاويا لكل ما قل ودل كما يقول بلغاء البيان؛ أي إن تكون ألوانه قليلة مغذية وأن تبقى كذلك إلى نهاية الحرب، على أن الملك ليس متأنقا في طعامه عادة إجابة لداعي الميل الفطري وداعي الضرورة؛ لأنه يصاب أحيانا بسوء الهضم وهذا يمنعه من إجادة المطابخ والإكثار من الألوان، وهو يفضل السمك المسلوق واللحم الخالي من الأفاويه والبهارات على سائر الأطعمة.
أما قيصر روسيا فكان في مطبخه نحو ألف أجير، وكان ذا شهية حسنة ولكن غير متأنق في طعامه يأكل من كل ما يقدم له بشرط أن يكون جيد الطبخ.
وأما إمبراطور ألمانيا فله شهية كبيرة أيضا حتى إنه يأكل عادة شيئا من اللحم البادر قبيل النوم، وهو يقتصر في المآدب الكبيرة على ما يأكله الجندي في الجيش الألماني فإذا خلا إلى نفسه زاد على ذلك، وفي بلاطه مطبخ كبير برئاسة أربعة طهاة؛ الواحد ألماني والثاني إنكليزي والثالث فرنسوي والرابع إيطالي، وكل منهم مسئول عن الألوان المشهورة بين قومه. •••
Shafi da ba'a sani ba
قالوا إن الوحول في هذا الميدان من ميادين القتال والأمطار في ذاك والثلوج في هذاك حالت دون إقدام الجحافل على القتال والنزال، على أن الشاعر العربي والفارس ذا الطراز المعلم قال لنا من نحو ألف سنة:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا
فأهون ما يمر به الوصول
والحقيقة التي لا ريب فيها هي أن الطبيعة بعناصرها من حر وبرد وثلج وجمد وريح صرصر لا تثني ابن آدم عن أمر عقد العزيمة عليه وإنما يكبح جماحه ويحول دون ركوبه هواه ذلك الزاجر الباطني الذي أشار إليه الشاعر حيث قال:
والنفس لا ترجع عن غيها
ما لم يكن منها لها زاجر •••
يقول الفرنسيون إن متوسط خسارة الألمان 260 ألفا في الشهر بين قتلى وجرحى وأسرى، أي إنهم يخسرون نحو 6 رجال كل دقيقة، ومدة الدقيقة لا تزيد عن مدة قراءة هذه النبذة، فتصور أنك بدأت تقرأ هذه الأسطر، ثم لم تنته منها حتى رأيت نفسك في بحر من الدم وحولك ستة رجال يجودون بأنفسهم. •••
العيشة في الخنادق: وصف جندي فرنسوي المعيشة في الخنادق وصفا يدل على ما اتصف به الجنود الفرنسويون من خفة الروح والظرف والكياسة التي تهون عليهم احتمال الشدائد بصدر منشرح فيخلطون الجد بالهزل في أحرج المواقف، قال ذلك الجندي: إننا في شغل شاغل نبحثر الأرض فنحفرها، ثم نخفرها، ولا نزال نحفرها حتى نحول سطحها إلى سراديب عميقة فيها الطرق المتشعبة الضيقة والشوارع المستقيمة الطويلة العريضة، نطلق عليها أسماء عظماء رجال هذه الحرب، فترى في الخنادق شارع «ألبرت الأول» و«شارع جوفر» و«ساحة إريفي» وهو اسم قائدنا المسكين الجنرال إريفي الذي أصيب بقنبلة فقتلته فأحيينا ذكره بتسمية ذلك الشارع (أي الخندق) باسمه.
وبين هذه الخنادق خندق معرض لرصاص بنادق العدو وقنابل مدافعه، يسمع فيه صفيرها ودويها أناء الليل وأطراف النهار فسميناه «شارع ويت» وأفردنا خندقا للجنود السنغالية فسميناه «قرية السودان» وفي جواره خندق كبير مسقوف يعرف باسم «قاعة الرقص».
ثم إن بعض الجنود منا، الذين تعلموا في المدارس نظم القوافي [يتغنون]
Shafi da ba'a sani ba
1
سقفنا بها بعض الخنادق. •••
روى مراسل جريدة «الدالي كرونيكل» أنه قصد محطة باريس عند وصول بعض الجرحى فرأى ثمانية مجروحين جراحا بليغة ورأى أحد هؤلاء الجرحى تعبا جدا فتقدمت منه الممرضة لتضمد جراحه، فقال لها أريد قسيسا لا تضميد جرحي فأخذت تنادي في الناس ألا يوجد هنا قسيس؟ فنهض من بين الجرحى جريح كادت روحه تبلغ التراقي وجذبها إليه قائلا: أنا قسيس احمليني إلى الجريح، وكان هذا القسيس مصابا بقنبلة وأقل حركة تسبب له آلاما مبرحة فلم تشأ الممرضة تحريكه فأخذ يتضرع إليها قائلا: خذيني إلى الجريح إنه لا يهمني أن أعيش ساعات أخرى، ثم أجهد نفسه حتى وصل إلى رفيقه وباركه وقبل أن يتم عمله مات ومات إلى جانبه رفيقه ويد أحدهما بيد الآخر فركع الممرضون والممرضات والحاضرون أمام الجثتين وأخذوا بالصلاة على روحيهما. •••
يلقب الألمان الجنرال جوفر ببنك الاقتصاد لما يتوخاه في كل خططه الحربية من الحرص على الجنود والذخائر. •••
إن الجندي الإنكليزي أ. ف. سودرن هو الجندي الوحيد الذي حاز نشان صليب فكتوريا في سن السابعة عشرة وذلك أنه أنقذ ضابطا فرنسويا كان في خط النار. •••
غاب عن عائلته بيانكو في مرسيليا غلام في الثالثة عشرة من عمره منذ شهر أغسطس سنة 1915 فبحث عنه أهله طويلا فلم يجدوه إلى أن تلقوا في يوم من الأيام رسالة من الجنرال كوردونيه قائد الجيوش الفرنسوية في سلانيك قال فيها: دزيرة بيانكو غلام في الثالثة عشرة من عمره أصم إلا عن سماع صوت الوطنية فاندس بين الآلاي الخامس والخمسين الذي سافر من مرسيليا على الباخرة «فرانس» إلى الدردنيل ونزل مع هذا الآلاي في سد البحر واشترك بالهجوم الشديد وأظهر بسالة وشجاعة فوق المألوف في هجوم 8 مايو 1915 فقتل وهو يتقدم الجنود ويصيح تقدموا تقدموا بالحراب بالحراب. •••
كان أسيرا فصار آسرا: كتب ضابط في الطوبجية البريطانية بفرنسا إلى أهله بإنكلترا، فقال إن الألمان يحاربون حرب الأسود فقد ضايقونا أمس صباحا بضع ساعات إذ كروا علينا بجموعهم الكثيفة وأصلتنا مدافعهم نارا حامية كانت تنصب علينا كالصيب الهتان فاخترقوا قلبنا وساقوا أمامهم لواء من الفرسان ولكن هذا اللواء عاد فحمل عليهم حملة مجيدة وسددنا إليهم نار مدافعنا فرددناهم إلى خنادقهم وأوقعنا بهم خسارة كبيرة فتكدست أشلاء قتلاهم وجرحاهم أكداسا.
وكان ضابط من ضباط الطوبجية يرقب نار بطاريته من إحدى القرى المجاورة فهجم الألمان على تلك القرية بغتة واحتلوها وأسروا هذا الضابط وأكرموه كثيرا، ثم وضعوه في سرداب ليكون بمأمن من نار المدافع ووضعوا معه بعض الحراس ولكن الحلفاء عادوا فهجموا على تلك القرية وانتزعوها من يد الألمان وأنقذوا الضابط من الأسر فعاد إلى بطاريته يصحبه حرسه الألماني أسرى بيده بعد ما كان أسيرا بيدهم. •••
يسمح الواحد منا بالمليون ولكنه قلما يدرك مقداره، وقد خطر لأحد الإحصائيين أن يسهل على الناس فهم المليون بقوله إن في السنة بطولها نصف مليون دقيقة أو أكثر قليلا، فإذا عرفت ذلك فقد تدرك عظمة الجيوش المتطاحنة في ميادين القتال، وإن كنت لا تدركه به فدونك هذا المثل: قالوا إن الألمان عبئوا ثمانية ملايين جندي في أول الحرب، فلو عرضوا أمامك أيها القارئ ومروا بسرعة عشرين في الدقيقة أو واحد كل ثلاث ثوان وهي سرعة عظيمة لاقتضى مرورهم سنة كاملة ليل نهار. •••
حيلة ألمانية لم تجز على جنود الجوركا: كانت جنود الجوركا متربصة في الخنادق ليلا وإذا بشبح ظهر في ضوء القمر متزييا بزيهم، فلما دنا من الخنادق ناداهم بصوت من اعتاد الأمر: اخلوا الخنادق حالا لأن فصيلة من إخوانكم قادمة لتحتلها بدلا منكم - فاستغرب قائد الفصيلة هذا الأمر، وقال للطارق: من أنت ومن أرسلك؟
Shafi da ba'a sani ba
فقال الصوت: عليكم بإخلاء الخنادق حالا لتشغلها فصيلة الجوركا القادمة، فتردد القائد وبينما هو في حيرة من الائتمار بهذا الأمر خطر على باله خاطر، فقال للطارق: أجبني حالا، إذا كنت أنت من جنود الجوركا فما هو اسم الباخرة التي أتت بفرقتك إلى فرنسا؟
فلم يستطع الطارق الجواب؛ لأنه كان جنديا ألمانيا متنكرا بزي الجوركا وفر هاربا بأسرع من لمح البصر غير أن رصاص الجوركا أدركه قبل أن يتوارى عن الأبصار.
ولولا سرعة خاطر قائدهم لكانت الجنود الألمانية المتربصة قريبا منهم قد فتكت بهم وهم خارجون من الخنادق. •••
الحرب في الفضاء (كيف قتل الطيار بيجو؟): الحرب الجوية من مبتدع الحرب العظمى وهي على حداثة عهدها وقلة استعداد المتحاربين لها لا تقل هولا عن أشد الحروب البرية والبحرية، وقد رأينا أن نصف إحدى معاركها الأخيرة ليكون الناس على بينة من سيرها فاخترنا المعركة التي قتل فيها المسيو بيجو الطيار الفرنسي الشهير؛ لأنها كانت أطول معركة جرت في الهواء.
فقد نشرت الصحف الفرنسوية أيام هذه المعركة خلاصة تقارير الطيارين الألمانيين على المعركة التي قتل فيها الطيار بيجو وزادت عليها أقوال أحد الضباط الفرنسويين الذين شهدوها فآثرنا إجمال ذلك فيما يلي:
قال الضابط الألماني بيليتنز: «ذهبت مع الطيار كاندلسكي لتصوير استحكامات العدو في بلفور، فقابلنا الحصون بنار حامية، ثم رأينا نقطا سوداء ترتفع عن الأرض وما مضى ثوان حتى صار الطيار بيجو على مقربة منا، وكنا جميعا واثقين بتفوق طيارتنا المصفحة والمسلحة بأحدث انواع المتراليوز وعالمين أن العدو لا يحجم عن الدنو منها لأن منظرها الخارجي لا يدل على أنها من الطيارات المتينة الصنع، فخففنا السير وأعددنا معدات الدفاع، ولما وصل بيجو إلى بعد خمسين مترا منا أصلانا نارا حامية ورغب في الارتفاع فوقنا فصوبت مدفع المتراليوز نحوه وجعلت أطلق القنابل فوقه وتحته لأمنعه عن الحركة، ولكنه خرج بسرعة هائلة من منطقة النار وانقض علينا انقضاض الصاعقة وهو يطلق قنابل مدفعه الصغير من غير انقطاع فأصابت إحدى قنابله غلاف المحرك والتصقت به فخفت أن يكون قد تعطل وأمرت كاندلسكي بالعودة حالا خوفا من السقوط في خطوط الفرنسويين، فامتثل الأمر وقفل راجعا بينما كنت أطلق القنابل عل الطيار الذي حلق فوقنا.
وكنت أتوقع انفجار البنزين في طيارتنا من ثانية إلى ثانية فنسيت أمر العدو ولم أعد أكترث له، وقد وصلنا سالمين إلى خطوطنا فقلنا إن المعركة كانت سجالا ولم نعلم عظم الفوز الذي أحرزناه إلا من أنباء فرنسا، والظاهر أن القنبلة التي أصابت بيجو كانت القنبلة الأخيرة التي أطلقتها عليه بعدما قفلنا عائدين.
وفي اليوم التالي عدت مع صديقي كاندلسكي إلى المكان الذي سقط فيه بيجو ورمينا إكليلا من الزهر اعترافا منا بشجاعته وبسالته.»
الفضل للطيارة لا للطيارين: وقال الطيار كاندلسكي في تقريره: «لقد انتصرنا على بيجو الشهير ويكفينا ذلك فخرا، على أن الفضل كل الفضل لمنعة طيارتي المصفحة التي لا تؤثر فيها القنابل ولمدفعي المتراليوز اللذين تحملهما، وقد اغتر بيجو بمنظرها الخارجي فظنها طيارة عادية ولم يحجم عن الدنو منها.»
معركة 25 دقيقة: وقال أحد الضباط الفرنسويين الذين شهدوا المعركة من حصون بلفور الخارجية: «جاء كاندلسكي وبيليتز لرسم حصون بلفور، وكان الطيار بيجو دائما على تمام الأهبة والاستعداد لمطاردة العدو فحلق في الفضاء بسرعة كلية واتجهت إليه الأنظار وكلنا على ثقة بانتصاره الأكيد وهلاك الطيارين الألمانيين، وكان العدو على علو ألفي متر ينتظر وصول طيارة بيجو برباطة جأش، وقد شهدنا جميعنا المعركة بدقائقها وكنا نتوقع سقوط طيارة العدو من ثانية إلى ثانية لأن بيجو اشتهر بفن الطيران كما اشتهر بحسن الرماية.
Shafi da ba'a sani ba
ابتدأت المعركة وسمعنا دوي المتراليوز فخفقت قلوبنا لهول المنظر، وبعد خمس وعشرين دقيقة على هذا المنوال حلق بيجو فوق أعدائه فأيقنا بفوزه وقلنا إن كفته رجحت وأن العدو بات في قبضة يده، وقد أصاب معظم قنابله طيارة العدو ولكنها لم تؤثر فيها لتخن درعها فحاول أن يلقي عليها مواد منفجرة من فوق ولكنه أصيب برصاصة كانت القاضية عليه فوقع على الأرض من علو ألفي متر.» •••
كان يشتغل مدفع 75 الفرنسوي ثماني ساعات في النهار عادة، ويقذف 400 قذيفة على أنه يستطيع أن يقذف 20 قذيفة في الدقيقة، ولكن لا يستطيع مواصلة الإطلاق بمثل هذه السرعة مدة طويلة؛ لأنه يحمى وهو على كل حال لا يصلح للعمل بعد إطلاقه 6000 قذيفة، وهو يكلف 720 جنيها وبلغ قيمة ما ينفقه من الذخيرة نحو 7000 جنيه. •••
من النوادر التي وقعت في معركة المارن أن مدفعا من مدافع 75 حمي جدا فلم يبق في إمكان الطوبجية مواصلة استعماله، ولم يكن في جوارهم ماء لتبريده وكانت الضرورة تقضي بمواصلة الضرب فعمد أحدهم إلى علب السردين وفتحها وصب ما فيها من الزيت على المدفع فبرد. •••
إذا شئت تعرف نقل ما أنفق من الذخيرة إلى فردون في سبعة أشهر يقتضي لك قطار لا يقل طوله عن 500 ميل (800 كيلومتر) وهي أربعة أضعاف المسافة بين مصر والإسكندرية بالسكة الحديد. •••
بلغ عدد الحراس القضائيين على أموال الأعداء في دائرة باريس 173 حارسا، وعدد المحلات التي يحرسونها 8000 محل، وقد أصدرت المحاكم 80 ألف قرار فيما يتعلق بتلك المحلات. •••
بلغ ثمن ما بيع من الأحذية من محلات الأعداء في باريس 7 مليون فرنك، وكان الألمان والنمسويون قد احتكروا هذه القاعة. •••
حسبت جريدة «الجورنال» الفرنسوية أنها لو صدرت في صفحتين بدلا من صفحة واحدة اقتصدت 30 ألف فرنك في الأسبوع أي أكثر من 60 ألف جنيه في السنة ومع ذلك فهي لا تفعل. •••
كان في ميادين القتال قنابل كبيرة قذفتها المدافع ولم تنفجر فيخشى بعد الانتهاء من الحرب أن تنفجر عندما يكون الفلاحون يعملون في الأرض فتقتلهم، وقد اهتم أحد علماء الفرنسويين بهذا الأمر واستنبط آلة تكشف القنابل المطمورة وهي عبارة عن تلفون يقرع جرسه عند التقاء كهربائيته بكهربائية المعادن الداخلة في القنابل. •••
ينفق كل فيلق يوميا سبعة طنات من قذائف المتراليوزات و4 طن ونصف من قذائف بنادق ليبل و35 طن ونصف من قذائف المدافع الضخمة. •••
أنفقت ألمانيا من سنة 1900 إلى 1912 في الاستعدادات الحربية 2054000000 فرنك، ولم تنفق فرنسا في تلك المدة غير 984 مليون فرنك. •••
Shafi da ba'a sani ba
يقول الألمان إن أول زبلن أنشأوه كلفهم 100 ألف جنيه. •••
بلغ عدد الذين أعفوا من الخدمة العسكرية في إنكلترا لأسباب مختلفة 1500000 رجل. •••
الفتيان الأبطال في الحرب: دفعت الوطنية كثيرين من الفتيان الصغار إلى خوض غمار الحرب، واشتهرت من بينهم فئة من الأبطال امتازوا ببسالتهم، وشجاعتهم وتضحيتهم أنفسهم فداء الوطن. كما اشتهر كثيرات من النساء والفتيات البواسل ملائكة الرحمة. وفتحت جريدة «مون جورنال» الفرنسوية في أعمدتها اكتتابا عاما لإقامة أنصاب وتماثيل إحياء لذكرى هؤلاء الأبطال الصغار الذين قتلوا فدى الوطن تخليدا لأسمائهم المجيدة في القرون المقبلة، وها نحن نذكر بعضا منهم رددت الجرائد ذكر أسمائهم وزينت أعمدتها برسومهم.
فأحدهم الملقب بالصغير لابين من بلدة جيورماني في الثانية عشرة من عمره توفيت أمه وذهب أبوه إلى الحرب وتركه في البيت وحيدا، إلى أن مرت يوما ما الفرقة السابعة من الفرسان الفرنسويين في تلك البلدة ذاهبة إلى ساحات القتال فبهرت عينا الفتى من نظامها ومنظرها وتبعها إلى خارج المدينة يتفرج عليها إلى أن اجتازت أربع كيلومترات فالتفت وراءه فرأى بلدته غابت عن نظره، وقد أرخى الليل سدوله، فقال في نفسه: لماذا لا أتبع هؤلاء الجنود إلى الحرب وألحق بأبي وأدافع عن وطني؟! ثم أتبع الفرقة جاريا وراء الفرسان إلى أن رآه أحد ضباطهم فشفق عليه، ولما تأكد من عزمه تبناه وأردفه وراءه على الحصان، ثم أعطاه بندقية صغيرة ورداء وخرطوشا وسماه رجال الفرقة الأرنب الصغير، فلما وصلت إلى ساحة القتال واشتبكت الجنود في الحرب انسل الفتى بينهم وكان يطلق الرصاص على كل من رآه من الألمان، ثم رجع إلى الصفوف من غير انتظام، ولما انتهت المعركة أراد الكولونيل قائد الفرقة أن يرجعه إلى بلدته خوفا عليه لصغر سنه فأجابه: إني جندي فرنسوي ولا أرجع قط ما دام الأعداء في بلادي. فتركوه، وقد أصيب برصاصة في كتفه في إحدى المعارك فنقلوه إلى المستشفى.
وفي الحرب غلام آخر يدعى بير مرسيه من مدينة أنجين في الثالثة عشرة من عمره اختفى يوما ما فجأة عن بلدته وذهب وحده إلى ساحة القتال، ففتش والداه عنه ولم يجداه إلا أنه وصلت إليهما الرسالة الآتية في اليوم الثامن من اختفائه وهذا مآلها:
أبي وأمي وشقيقتي الأعزاء
دخل الأعداء بلادنا فأقسمت أن أدافع عن وطني ولو كنت صغيرا، ألا تدعوني الواجبات الوطنية لأن أحارب هؤلاء البرابرة الذين اجتاحوا فرنسا وفتكوا بأهلها فقد بررت بقسمي وجمعت ما اقتصدته في صندوقي من الدراهم ولحقت بفرقة الجنود التي مرت بمدينتنا، وانتظمت في فرقة الاستكشاف وأعطيت دراجة فلا يقلق بالكم علي ولا تبكوا لفراقي، أراني مسرورا جدا في خدمة بلادي، وأؤكد لكم يا والدي العزيزين أنكما تفخران بابن لكما يدافع عن وطنه تحت الراية الفرنسوية؛ فتصبري يا أمي العزيزة على فراق يسير وأما أنت يا أختي سوسان فداومي على الذهاب إلى المدرسة وادرسي التاريخ والجغرافية، وتأكدي أن خارطة فرنسا ستتغير بعد الحرب وتمتد حدودها الشرقية إلى ما وراء نهر الرين، أودعكم جميعا. (حقق الله آماله.)
بير مرسيه
وفي ساحة الحرب كثيرون من أمثال هذا الغلام اختفوا من أحضان والديهم وذهبوا إلى ميدان القتال منهم ألبير كاروج من فرساليا وعمره اثنتا عشرة وهنري نينه من ليموج وعمره أربع عشرة سنة، كتب الأول إلى أمه يقول لها: إني في ميدان القتال وتأكدي يا أمي أنني سأعود إليك وعلى صدري وسام الشرف.
وكتب الثاني إلى أبيه: أكتب إليك وأنا فوق مركبة المدفعية، فليطمئن بالك أنني تحت رعاية ضابط الفرقة، أندره كيده وقد أعطاني كسوة وسلاحا.
Shafi da ba'a sani ba
واشتهر بين الفتيان الأبطال في هذه الحرب غلام في الثالثة عشرة من عمره يدعى ألبير شوفرنكس وهو ابن حطاب في حراج رجمون بين الفيسول ومونبليار، مرت فرقة من الفرسان يوما ما في تلك الحراج وضلت طريقها فتقدم الفتى ألبير من الضابط وعرض نفسه كدليل للجنود إلى أن أوصلهم إلى ملهوز وهناك انتظم في سلك الفرقة وتبناه قائدها وأعطاه بندقية وعهد إليه في مراقبة طيارات الأعداء حتى إذا لمح إحداها في الجو - وكان حديد البصر - يطلق عليها الرصاص، ثم ترك تلك الفرقة وانتظم في سلك الفرقة الثالثة من الفرسان وكان يتقدم الصفوف ويطلق النار على الألمان حتى قتل كثيرين منهم، وهذا الغلام لا يزال إلى الآن فخر تلك الفرقة تتباهى به.
وممن اشتهر أيضا من الغلمان الأبطال أندره كيده في الثانية عشرة من عمره، وقال عنه جيران نائب مقاطعات كلفاروس في مجلس النواب: إن هذا الغلام الصغير لما رأى فرقة المشاة مارة ببلدته وسائرة إلى الحرب قال لأمه: «أريد يا أمي أن أذهب مع هؤلاء الجنود للدفاع عن وطني، فأودعك وإلى الملتقى.»، ثم جرى ركضا وراء الفرقة فلما رآه ضابطها جرفه سر بشجاعته ونخوته وأخذه معه وتبناه، فلبث أندره إلى جانبه في ميدان القتال أمام خط النار، وفي اليوم الثالث أصيب الضابط جرفه برصاصة فخر جريحا ونقل إلى المستشفى فاتبعه الغلام، وقبل موته وهبه (الضابط) سيفه ومسدسه، ثم رجع إلى فرقته وشهد معها معارك عديدة وكان يبرز وحده بشجاعة أمام الصفوف ويطلق الرصاص على الألمان، آخذا بثأر جرفه.
وفي ساحة الحرب الآن فتى آخر اسمه غستاف شابين تطوع مع الجنود وشهد معركة الآين الكبرى التي رد فيها الفرنسويون أعداءهم إلى الوراء إلى أن أصيب برصاصة في كتفه ونقل إلى مستشفى باريس وهناك زاره أحد كتاب الجرائد وكان يقول للطبيب: «أرجو منك أن تشفيني عاجلا لأعود إلى فرقتي.» ولما جاء أبوه ليأخذه لم يشأ الذهاب معه، فاضطرت السلطة العسكرية أن تمنحه وسام الحرب فذهب إلى بيته، وقد اختفى يوما ورجع إلى ساحة القتال.
وكثيرون من الغلمان الأبطال قتلوا في الحرب، نذكر منهم ثلاثة اشتهروا ببسالتهم وضحوا نفوسهم عن الوطن وكان موتهم فخرا لفرنسا وخجلا وعارا للجنود الألمانية ودليلا حسيا على أعمالهم الفظيعة حسب إقرارهم أنفسهم، وهذا ما كتبه جنرال بافاري في مذكرته التي عثر عليها معه بعد أسره: «لما اجتزنا واديا طويلا دخلنا قرية اسمها بورغوند عند حدود الألزاس فتلقانا أهلها بإطلاق الرصاص فقابلناهم بالمثل، وألقينا بعضهم صرعى وفر الباقون أمامنا، فدخلنا القرية والتقينا عند بيت منها بغلام في الثانية عشرة من عمره يدعى تيوفيل جاكو، فتقدمت إليه وسألته إذا كان أحد من الأهلين مختبئا داخل البيت، فقال: لا، ولما اجتزنا بضع خطوات خرج من ذلك البيت نفر من الرجال المسلحين واطلقوا علينا الرصاص غفلة؛ فاضطررت أن آمر بحرق القرية وقتل كل من وجدناه من الأهلين، ولما قبضنا على الغلام سألناه لماذا كذب علينا وهل كان يعلم أن في ذلك البيت رجالا مختبئين، فقال بشجاعة: نعم، فأخذناه وحكمنا عليه بالموت لأنه غدر بنا، وفي المساء أطلقت فصيلة من جنودنا النار عليه.»
وفي مكان آخر التقت فرقة من الجنود الألمانية بغلام فقبض قائدها عليه وسأله: «هل في البلدة أو في جوارها جنود فرنسويون.» فقال: لا أعلم، ولما ابتعدوا قليلا خرج من غابة قريبة بعض الأهالي وأطلقوا الرصاص على تلك الفرقة ولاذوا بالفرار، فقبضوا على الفتى وسألوه ألم تكن عالما أن في الغابة أناسا كامنين؟ فلم ينكر؛ فأخذوه وربطوه في عمود التلغراف وأطلقوا الرصاص عليه وهو ينظر إليهم باسما ساخرا بهم.
والشهيد الثالث من الغلمان هو ابن أحد عمال المعادن في بلدة لورنس اسمه إميل ديبريه، دخل الألمان هذه القرية واحتلوها وتفرق جنودهم وضباطهم في حاناتها يعاقرون الخمرة يصخبون ويرقصون فرحين بخمرة الظفر، وكان ضابط فرنسوي ملقى على الأرض في إحدى الحانات وهو مصاب بجرح بالغ يئن من الألم، ولم يجسر أحد من الأهلين أن يدنو منه أو يواسيه، إلى أن دخلت المرأة صاحبة الحانة ووضعت كئوس الشراب أمام الضباط الألمان فنهض أحدهم وضم المرأة إليه، وكان يشتم قومها وهو سكران سكرا شديدا، فلم يستطع الضابط الجريح الصبر على هذه الإهانة فرفع رأسه وجلس قليلا، وأخذ مسدسه وأطلق الرصاص على الضابط فجندله، وفي الحال ضرب بالنفير واجتمع الجنود وأخذوا الجريح الفرنسوي إلى ساحة البلدة؛ ليقتلوه على مشهد من أهلها، وهناك فتح الجريح عينيه، ورأى أمامه الغلام إميل ديبريه، فقال له: «اسقني فإني عطشان.» فأسرع هذا إلى بيت قريب وأتاه بكوز ماء وسقاه، فلما رأى الضابط الألماني ما فعل الغلام احتدم غيظا وقبض عليه بعنف وكاد يأمر جنوده أن يطلقوا الرصاص عليه.
ولكن خطر له خاطر فجأة ذلك أنه أخذ مسدسه من وسطه ودفعه للغلام، وقال له: «إن أطلقت الرصاص على هذا الجريح نجوت من الموت فهل تفعل؟» قال: نعم، ثم أخذ إميل المسدس وصوبه إلى الضابط الألماني الواقف أمامه وأطلق عليه الرصاص فجندله قتيلا، وفي اللحظة عينها صوبت الجنود الألمان البنادق نحو الغلام فمزق الرصاص جسمه إربا إربا.
وعلينا ألا نغفل أسماء كثيرين من الغلمان الصغار من الإنكليز والفرنسويين والبلجيكيين الذين تطوعوا في الحرب وبذلوا حياتهم فيها ومنهم فتى إنكليزي فقأت حربة ألمانية إحدى عينيه وخدشت وجهه في تيرلمون، وقد ذكرته جريدة التيمس. وفتاة إنكليزية في الثامنة من عمرها بتر الألمان يديها لأنها وضعت يدها على أنفها وسخرت بهم. ولا تنسوا ذلك الطفل البلجيكي وعمره سبع سنوات فإنه لما رآهم صوب نحوهم بندقيته الخشبية التي يلعب بها فأصلوه وابلا من الرصاص مزق جسمه الغض النضير؛ فلمثل هؤلاء الأبطال الصغار ستقيم مدينة باريس أنصابا وتماثيل في ساحاتها تخلد تاريخ ذكرهم المجيد. •••
أنا هو ذلك الطراد: مثل الربان فون مولر قومندان الطراد «أمدن» دورا عظيما في مأساة الحرب العظمى؛ فخلد له ذكرا يحسده عليه زعماء قرصان القرون الماضية، ومع ذلك لم يتعد قوانين الحرب المعهودة ولا أتى عملا خسيسا يلام عليه ويشهر به.
ابتدأ هذا الدور في 10 سبتمبر سنة 1914 وانتهى في 10 نوفمبر، فأغرق الربان فون مولر في غضون هذه المدة 16 باخرة تجارية، والبارجة «كاماستامارو» اليابانية، والطراد الروسي «جمشتوك»، والغواصة الفرنسوية «موسكي»، واستولى على 3 بواخر، وأسر 3 بواخر أخرى، ثم أطلق سبيلها، ومجموع حمولة هذه البواخر 97684 طنا عدا حمولة البارجة اليابانية التي لم يعرف مقدارها.
Shafi da ba'a sani ba
اشتهر هذا البطل الشجاع بلطف الشمائل وحلاوة المعشر، وقد دعاه الناس «دي ويت البحار» تشبيها له بالقائد البويري كرستيان دي ويت زعيم العصاة في الثورة البويرية الأخيرة الذي أسر أخيرا وحبس في قلعة جوهنسبرج.
أثنى المستر ويلسن مكاتب جريدة «الديلي ميل» على القبطان فون مولر، فقال عنه: «إن الأمة البريطانية ستظفر بالعدو الكريم وهي تحيي اليوم قومندان الطراد «أمدن» باحترام لأنه سلك سلوك الرجل الأبي النفس في محاربته التجارة البحرية وقاتل قتال الأبطال يوم صرعه الطراد الأسترالي وأخذه أسيرا.
عرف أهل لندن الرجل أيام كان مساعدا للملحق الحربي في سفارة ألمانيا (بلندن)، وقد أقام في هذه العاصمة مع زوجته فحظيا بإكرام الناس لهما وميلهم إليهما.»
وقالت عنه جريدة الديلي ميل: «إنه رجل ظريف يحسن اللغة الإنكليزية، ويعرف مواقع الموانئ الهندية الإنكليزية وفرضها معرفته لقبضة يده.»
كان هذا الربان يستعين كثيرا بالتلغراف اللاسلكي في أثناء مطاردته البواخر التجارية والبوارج الحربية، يسترق منها الأخبار، وينقض عليها انقضاض البازي على فريسته إذا آنس فيها الضعف، ويفر من وجهها فرار الآبق إذا خاف قوتها.
وقد روت عنه تلك الجريدة نكتة لطيفة من هذا القبيل عنوانها «أنا هو ذلك الطراد»، فقالت: «بينما كان الربان فون مولر يجول يوما في عرض البحار وهو يترصد الآفاق باحثا عن فريسة يفترسها علم أن باخرة تجارية قريبة منه قبل وقوع نظره عليها، فسألها بالتلغراف اللاسلكي قائلا: أرأيت في سيرك طرادا من الطرادات الألمانية يضرب في البحار؟ فأجابت الباخرة: لم أر شيئا من ذلك، فأمر حينئذ مهندسي الطراد أن يجدوا في السير، ولما دنا من الباخرة لها: أنا هو ذلك الطراد.» •••
التناهي في البغض: بلغ بغض الألمان للأمة الإنكليزية والأمة الفرنسية مبلغا أدى بهم إلى النفور من ذكر كلمتي «إنكلترا» و«فرنسا في حديثهم».
وقد اتفق أن مدير إحدى المدارس في برلين لم يجد أستاذين يعلمان اللغتين الإنكليزية والفرنسية في مدرسته، فنشر إعلانا قال فيه: إن اللغة التي يتكلم بها سكان أمريكا الشمالية ولغة أهالي المقاطعة الغربية من سويسرا أبطل تعليمهما إلى أجل غير مسمى. •••
من ألطف وأبدع ما رواه موريس بارس الكاتب الفرنسوي المشهور الحديث الآتي، قال: علمت أن رجلا يخدم في أحد مستشفيات باريس غاب عن عمله 49 ساعة، ولما رجع إليه سألته الراهبة عن سبب تغيبه، فقال لها: لي ولد وحيد يخدم وطنه في الجيش، وقد أبلغت أنه قدم باريس جريحا وأنه يوجد في المستشفى الفلاني فقصدته فيه، ولكني لما وصلت وجدت أنه قد توفي على أثر جراحه، ولما كنت سأعيش بعده وحيدا منقطعا رأيت أن أحسن ما أفعله هو أن أخلفه في طابوره فذهبت وتطوعت مكانه وأنا آت الآن لأودعكم جميعا، فتأثرت الراهبة من كلامه وشجعته بكلام رقيق، وهكذا انطلق هذا الشجاع إلى الحرب متطوعا يمزج دمه بدم وحيده في خدمة وطنه. لم يرو التاريخ أسمى من هذه العواطف وأبلغ منها. •••
دخل طبيب مستشفى لعيادة الجرحى فلما وصل إلى سرير بنباشي مصاب بعدة جراح سأله بلطف قائلا: كم جرح بك؟
Shafi da ba'a sani ba
فأجابه الأنباشي: لم أعد جراحي يا حضرة الطبيب فسل الممرض يخبرك. •••
في تقرير لجنة كلاب الصليب الأحمر أنه كان بعددها 2500 كلب في ميدان القتال، وأن هذه الكلاب أنقذت ثمانية آلاف جريح. - كان عند الفرنسويين الذين يقاتلون على حدود بلجيكا كلب يدعى ماركي فقتل فدفنوه وأقاموا له أثرا، وكانوا يستخدمون ذلك الكلب لنقل الرسائل تحت نيران العدو. - اشتهر كلب يدعى لوتز في فردون بما أبداه من البسالة واليقظة، وقد ورد ذكره في الأوامر العسكرية على ما يلي:
وقد أقمنا خفيرا في نقطة أمامية ليلة 21 فبراير؛ فكان أول من نبهنا إلى هجوم الألمان بكثرة نباحه. •••
نقص عدد الطلبة في إنكلترا نحو 12 في المائة في سني الحرب العظمى؛ والسبب في ذلك تراخي المراقبة على الأولاد بعد انخراط ذويهم في الجيش من جهة، والإقبال على تشغيل الأولاد من جهة أخرى. •••
كانت بعض المدن في ألمانيا تعاقب من يمشي في الشوارع حافيا، أما الآن فقد أخذت تلك المدن تبطل تلك العقوبة وذلك لقلة الجلود في البلاد. •••
اتهم ثلاثة من باعة اللبن في لندن بأنهم يبيعون لبنا مغشوشا، فقالوا: لا، ولكن البقر ذعرت عند رؤية مناطيد زبلن فأثر ذلك في لبنها، فوافقت المحكمة على هذا التعليل. •••
يتراوح وزن الخوذة الفولاذية التي كان يستعملها الفرنسويون في أيام الحرب بين ليبرة وربع وليبرة ونصف، وهي تتركب من فولاذ وجلد وألومينيوم. •••
أرسلت جريدة الأيكودي باري أحد محرريها إلى الجنرال جوفر القائد العام يبلغه سلام قرائها وشكرهم على خدمه العظيمة، وقد صحب معه مصورا ليأخذ صورة الجنرال، فقبل القائد العام أن يقف أمام المصور، وقد استوقفه هذا زمنا غير قصير، ولما انتهى من مأموريته التفت الجنرال إلى المصور، وقال له ممازحا: «كانت ملكة بلجيكا آخر مصور أخذ صورتي ومع ذلك لم تأخذ مني مثل الوقت الذي أخذتموه.» •••
قال أحد المهنئين للجنرال جوفر يوم أخذ المدالية العسكرية: «نهنئك بنيل هذا النوط الذي يعرب لك عن ثقة الأمة.» فأجابه: «لا يهمني نيل النوط العسكري بقدر ما يهمني نيل النتيجة.» •••
نهم الألمان: وصف جندي من المتطوعين الألمان غنيمة باردة أصابتها أورطته في قرية هجرها أهلها وصفا يدل على شره الألماني وكيف أنه يحب الأكل والشرب حبه للتخريب والتدمير، قال الجندي: «دخلنا بلدة مورسيد، وقد هجرها أهلوها فألفينا منها الشيء الكثير من أصناف الخمور كونياك وشمبانيا وأنواعا كثيرة من السجاير والمناديل والقمصان، كل شيء هنا كثير حتى صار الواحد منا حائرا في أمره لا يعرف ماذا يختار، أما أنا فآثرت أن أملأ إنائي نوعا من المشروب يستخرجونه من القراصية وهو لذيذ الطعم على تعبئة جعبتي قمصانا ومناديل.» •••
Shafi da ba'a sani ba
حلاقة غريبة: قال الأونباشي «مكان» من فرقة الرماحة الإنكليز في رسالة له: حدث لي أمر صباح هذا اليوم، ذهبت ورفيق لي، ومعنا لحيتان طال عليهما المدى حتى صارتا ابنتي أسبوع إلى دكان حلاق لنتخلص منهما، فلما وصلنا إلى الدكان - وكان في الحقيقة بيتا لأحد الأهلين - رأينا الحلاق غائبا وهناك سيدة تنوب عنه، فاستلمت هذه السيدة وجه رفيقي ولحيته استلام المالك المستبد بملكه، ووضعت تحتهما طشتا وأشارت إليه أن يمسكه بيديه، وبدأت تفرك وجهه بالماء، ثم جاءت بالصابون فطلت به اللحية والخدين إلى ما تحت العينين، وتناولت الموسى وشرعت بحلق الشعر، فكنت أرى رفيقي ينتفض انتفاض العصفور المذبوح، فخفت عليه وسألته لما انتهت العملية: كيف الحال؟ فقال: على أحسن ما يرام، وكانت هذه أول أكذوبة سمعتها منه في حياتي.
أما أنا فكدت أحجم عن وضع لحيتي ورقبتي تحت رحمة تلك السيدة، ولكن الحياء منعني، فتحملت آلام العملية بصبر جميل، أبتسم إلى السيدة تجملا تبسم المطمئن البال.
ولما انتهت السيدة من العملية ونظرت إلى وجهي في المرآة سررت لأنه صار وجه جندي بريطاني لا سحنة متوحش خارج من غابات أفريقيا. •••
من أشجع ما روي في هذه الحرب الحكاية الآتية التي روتها جريدة التيمس قالت: أرسل القائد الفرنسوي ضابطا فرنسويا إلى صدر الجيش، وأمره أن يحتل نقطة أرشده إليها ويمد الخط التليفوني إليه، ويخبر قائد المدفعية عن أماكن وجود المدفعية الألمانية لإحكام تصويب القنابل إليها، فذهب الضابط واحتل تحت وابل من القنابل النقطة المرتفعة التي كانت لا تبعد إلا عشرات الأمتار عن خنادق الألمانيين وأخذ يقوم بمهمته، ولم يمض زمن طويل عليه حتى أبلغ القائد العمومي هذه الجملة الآتية في التلفون قالها بكل برودة ورباطة جأش وكانت آخر كلامه ولم يسمع بعدها شيء عنه، وهي: «يصعد الألمان على سلم غرفتي فلا تصدقوا ما يبلغونكم إياه بعد، أما أنا فسأستخدم كل ما يوجد في مسدسي من الرصاص.» •••
تروي الصحف الغربية روايات جمة عن شجاعة الصربيين والتضحية التي قاموا بها في الشهور الأربعة التي دامت فيها الحرب؛ فقد فقدوا مائة ألف رجل فيها بين قتيل وجريح وضائع، وأصيبت بلادهم بالمجاعة لأنهم لم يتمكنوا من زرع الأرض واستغلالها كما يجب بعد حرب البلقان، وفقدت عائلات منهم كل أولادها في الحروب البلقانية والأوروبية، وأصبح الصربيون يقاتلون قتال انتقام واستماتة في سبيل البقاء. •••
جاء في الصحف الغربية خبر لا يقرؤه امرؤ إلا وينفطر قلبه حزنا وأسى، وذلك أن سيدة تزوجت من فرنسوي فرزقت منه ابنين، ثم مات زوجها فتزوجت من ألماني ورزقت منه ابنين آخرين، وشب الأربعة فلما نشبت الحرب انضم الأولان إلى الجيش الفرنسوي والأخيران إلى الجيش الألماني، وقد جاءت الأخبار لهذه الوالدة المسكينة بأن أبناءها الأربعة سقطوا في حومة الوغى. •••
حرب البراميل: سمع ذات يوم دوي مدافع الألمان الضخمة ولم يسمع للمدافع الفرنسوية قصف فأشكل الأمر، ولكن مكاتب إحدى الجرائد الأوروبية اكتشف السر فروى - وهو صادق في روايته - أن طيارا ألمانيا حلق في جو جلونجن للاستكشاف وعاد فأخبر الألمان بأن الفرنسويين نصبوا بطارية من بطارياتهم الضخمة على أكمة تشرف على بلدة كرس على طريق دنماري، فأخذت البطاريات الألمانية الكبيرة تطلق قنابلها الجهنمية من الساعة الواحدة بعد الظهر حتى منتصف الليل على الأكمة التي أشار إليها الطيار الألماني وهم جذلون مسرورون.
واتضح بعد ذلك أن البطارية الفرنسوية لم تكن إلا برميلا كبير الحجم وضعه مزارع في أرضه، وقد أطلق الألمان عليه أكثر من مائتي قنبلة، وقد أثنت الجنود الفرنسوية المرابطة في الفوج على الطيار الألماني لحذقه وبعد نظره وعلى رجال المدفعية الألمانية لحسن مرماهم ومهارتهم في ضرب البرميل. •••
قبض الألمان على الكاهن لاهاش كاهن إبرشية فوافر وسألوه تحت يمين الاعتراف أن يرشدهم إلى أماكن الجنود الفرنسوية في إبريشته وإلا قتلوه، فاستأذنهم إلى أن أدى صلاته الأخيرة، ثم عرض صدره للرصاص قائلا لهم: الموت ولا الخيانة. •••
نكتة في محلها: كتب الجنرال فون بيسينج الألماني منشورا إلى البلجيكيين وطلب من الكردينال مرسييه أن يوقعه، فقال له الكردينال بعدما طالعه بتدبر وإنعام إنه مستعد لإجابة طلبه بشرط أن يغير فيه كلمة واحدة وهي «الحقائق التي تجرح عواطف الألمان» بدلا من «الأكاذيب التي تجرح عواطف الألمان» فأبى الجنرال عليه ذلك، وامتنع الكردينال عن التوقيع مفضلا الموت على الكذب والرياء. •••
Shafi da ba'a sani ba
أعادت روسيا بأمر القيصر علما فرنسويا من أعلام سنة 1870 التي كان الجيش الألماني غنمها من الجيش الفرنسوي في جهات الدوبس في السنة المذكورة، وقد وجدها الجيش الروسي في جهة بروسيا الشرقية في مكان اجتماع آلاي الدراجون البروسي الحادي عشر. •••
وجدوا مع أسير ألماني رسالة من أهله جاء فيها: «إن الجزم التي أرسلتها إلى هرمان لم تصلح له لأنها كبيرة أما الصحون ومواعين المطبخ فلا بأس بها، وقد أرسل إخوانك الجنود إلى أهلهم هنا أكثر مما أرسلت.» تنشيطا له على التمادي في النهب والسلب. •••
روت جريدة الفيغارو الحكاية الآتية المؤثرة قالت: «جرى في شارع لافايت بباريس حادث مؤثر جدا؛ فقد رأى الأهالي في ذلك الشارع بقرب المحطة الشمالية جنوبا جريحا يسير بكل تعب وهو يحمل أمتعته ويقصد أخذ قطار أوسترليتيز ليقصد بواتو حيث يوجد أهله وذووه، فاستوقفوه وسألوه عن المكان الذي يقصده، ولما كان لا يملك نقودا جمعوا من الشارع بضعة فرنكات، ثم استوقفوا عربة لنقله إلى المحطة بأمتعته حيث صحبه أحد الذين صادفوه، ولما أراد النزول من العربة أخذ يحسب القيمة التي يود أن يدفعها للحوزي، فالتفت هذا إليه، وقال له: أتعتقد انني أقبض منك الأجرة؟ إنك لمخطئ جدا؛ فلي ولدان بساحة القتال قتل أحدهما في جهة الألزاس والصغير لا يزال حيا، وإلى أين أنت ذاهب؟ - إلى بواتو. - لا يسافر القطار قبل ثلاث ساعات والآن وقت الظهر، فتعال نتناول طعام الغداء على صحة ولدي الحي وأرجعك إلى المحطة، وإن الله الذي أرجعني سنة السبعين من الحرب يرجعه أيضا.» •••
كان بين الأسرى في مونس ثلاثة ضباط من ضباط الطيران الألمانيين الذين أسروا بجوار باريس مع طياراتهم، وكانت ثلة من المعسكر الإنكليزي تخفرهم، فلما وقف القطر طلب ضابط منهم من خفيره الإنكليزي أن يعطيه زرا من أزرار كسوته ليحفظه تذكارا فرفض بإباء وعزة نفس، فقال الضابط الألماني: يا لك من عسكري متكبر كأنك فرنسوي! فقال الإنكليزي: جميعنا هنا فرنسويون. •••
كان ضابط وخمسة جنود من الجيش الألماني الذي يقوده الجنرال هندنبرج راكبين دراجات وسائرين في طريق بشرق بروسيا للاستطلاع، فأبصروا أوتوموبيلا مقبلا إلى جهتهم وكان فيه ضابطان روسيان، فأمر الضابط الألماني سائق الأوتوموبيل بأن يقف فلم يذعن فرماه الجنود بالرصاص، وهجم الضابط الألماني بمسدسه ليأسر الضابطين الروسيين، وقبل أن يدنو منهما انتحر أحدهما وهو قائد الفيلق الثالث عشر لكي لا يقع أسيرا في يد العدو، وأما الآخر فأسر، ونقلت جثة أولهما إلى الجيش الألماني.
وكان في شرق بروسيا كثيرات من النساء الألمانيات يحاربن مع الجنود الألمان، وقد أسر الروس في طريق جريفا مائتي جندي وكان بينهم عدد كبير من النساء وكلهن بالسلاح الكامل. •••
ومن نوادر هذه الحرب أن امرأة ألمانية عجوزا في السبعين من عمرها قتل جميع أبنائها وأحفادها، وقتلت وجرحت خمسة عشر روسيا وما اكتفت بل ظلت تحارب حتى جرحت في ذراعها برمح جندي من القوازق وأسرت فجعل الروسيون يعاملونها أحسن معاملة، ولكنها مع ذلك لم تأكل مما قدم إليها ولم تفتر عن شتم آسريها.
وكتبت جريدة الديلي نيوز أن بين الأسرى الألمانيين فتاة ألمانية في السابعة عشرة من عمرها اسمها أوجستين برجير لحقت بالجيش الألماني في أثناء تقهقره؛ فكانت تتسلق المرتفعات وتخبر الألمان بالرايات بحركات الجيش الروسي، وقد أسرها القوازق وهي تقوم بهذا العمل. •••
كان في أحد مستشفيات «كيف» جندي روسي من الطوبجية له قصة غريبة، ذلك أنه كان يحارب في شرق بروسيا فحطم الألمان بطارية فرقته وصدر إليها الأمر بالرجوع، ولما كانت الجنود راجعة القهقرى رأى ذلك الجندي طفلة في طريق العسكر خارجة من منزل في القرية فاخترق الصفوف حتى وصل إليها ليحميها من القنابل التي كانت تنزل نزول المطر، وما كاد يصل إليها حتى مرقت قنبلة من قنابل شرابنل فوق رأسه وكان قد انحنى على الطفلة ليكون درعا يقيها ولكنه ما سار بالابنة قليلا حتى أصابته رصاصة في ظهره فوقع على الأرض، وأسرع إليه جنديان فعادا به وبالطفلة، ثم نقل الجندي الجريح والطفلة معه إلى المستشفى، وقد أنعم عليه وعلى الجنديين الآخرين بنشان القديس جورج جزاء ما أظهروه من الشجاعة. •••
أرسل محافظ فينا يعزي الجنرال البارون فون هوهنز ندروف قائد جيش النمسا العام عن فقد ابنه الذي قتل في الحرب فرد عليه قائلا: «إننا نحارب لفخر النمسا وشرفها ولكن العدو قوي علينا كثيرا.» •••
Shafi da ba'a sani ba
أنشأت السيدات المطالبات بحقوق الانتخاب في بلاد الإنكليز مستشفى لخدمة جرحى الحرب ينفقن عليه من مالهن الخصوصي ويخدمن فيه. •••
أصيب شاويش في الحرب بثلاثة جراح أرسل لأجلها إلى المستشفى للمعالجة وقبل أن يتم شفاؤه رجع إلى فرقته في لونجوي وهو في حال النقاهة فسر ضابطه به جدا، وقال له: اذهب إلى أميرآلاي الآلاي وقل له أن يعطيك شهادة بجراحك تنفعك بعد الحرب لإيجاد وظيفة في الحكومة، فالتفت إليه الشاويش، وقال له: أشكرك على نصيحتك ، أما وظيفتي فباقية لي وسأعود إليها، إنني كاهن الإبرشية الفلانية وسأعود إلى وظيفتي. •••
يروى أن الألمان ضربوا غرامة حربية على مدينة أبرناي قدرها 175 ألف فرنك، وقد جرح منهم ضابط كبير لم يتمكن أحد من أطبائهم إجراء عملية له فاستدعوا طبيبا فرنسويا شهيرا في القرية المذكورة أن يعمل له العملية فعملها ونجحت معه، ولما سألوه كم يريد أجرته عليها قال لهم: أريد 175 ألف فرنك.
وهي الغرامة التي أخذوها من القرية وفي مساء ذلك اليوم أعاد الألمان الغرامة التي أخذوها إلى عمدة البلدة المذكورة. •••
موسيقى ألمانية تسكت بالقتال: كتب ضابط إنكليزي إلى أهله عن المعارك التي حضرها والطيارات التي رآها تحوم فوق الجيوش حومات الطيور وذكر نكتة لطيفة حدثت لفرقته، فقال: لما كنا في مقاطعة آلاين وقعت لنا حادثة مضحكة؛ فقد بلغت الوقاحة من الألمان أنهم أرادوا ليلة من الليالي وهم مبيتون في الخنادق إقلاق نومنا بصوت موسيقاهم وهي تضرب أغنية لهم تسمى «أوخت أم رين» وكان جنود الحرس الإيرلندي مقيمين في خنادق لا تبعد كثيرا عن خنادق الأعداء، فقلقوا من تلك الأغنية المزعجة وطلبوا منا أن نسكتها؛ فأطلقنا المدافع على الألمان أربع مرات متوالية، ثم سمعنا صوتا من خنادق الإيرلنديين يقول: نشركم شكرا جزيلا؛ فقد سكتت الموسيقى وتفرق جميع الأعداء بسرعة، ولم نعد نسمع في تلك الليلة صوت الموسيقى الألمانية. •••
خدعة فرنسوية غريبة: في أوائل شهر أكتوبر سنة 1917 الماضي حاولت فرقة من الفرسان الفرنسويين طرد فرقة من الفرسان الألمانيين من قرية واقعة في الجهة الشمالية الشرقية من بلدة إيبر فاستعانت بحيلة غريبة أنالتها غرضها؛ وهي أن قائدها أرسل طليعة من الفرسان إلى القرية فدخلتها فجأة واختلطت بالجنود الألمانية اختلاط الحابل بالنابل، وكان رصاص الجنود الألمانية لا يؤثر في أجسام الفرسان الفرنسيين بل يزيد هياج خيلها التي كانت تخبط خبط عشواء بين العدو فتذهب ذات اليمين وذات اليسار من غير انتظام والفرسان ثابتة فوقها لا تبدي حراكا.
وبينما الجنود الألمانية على تلك الحالة من الدهشة هاجمهم الفرسان الفرنسويون فأعملوا السيف فيهم ومزقوهم شر ممزق.
وكانت تلك الطليعة تماثيل فرسان محشوة بالتبن ومرتدية الرداء العسكري أركبها الفرنسويون الخيل وجعلوا وجهتها القرية، ثم أطلقوا للخيل أعنتها. •••
روت الصحف الفرنسوية أيام الحرب الخبر الآتي: تقدم إلى مجلس القرعة رجل يبلغ الخمسين من العمر وطلب الرئيس قبوله متطوعا في الحرب، ثم قال: إنني اشتراكي منذ أكثر من عشر سنين ولم أدخر وسعا في بث روح الاشتراكية ومبادئها بين رفاقي وفي أول يوم من التعبئة سافر ولداي إلى الحدود الشرقية ولم أنصح لهما بالفرار إذ كانا يريدان الدفاع عن الوطن مثل رفاقهما. - وهل رجعت عن أفكارك ومبادئك الاشتراكية الآن؟ - لا، بل لا أزال اشتراكيا، وقد حدث اليوم ما غير أفكاري وكان يجب أن أكره الحرب أكثر مما كنت أكرهها سابقا. - وما الذي حدث؟ - بلغني اليوم أن ولدي قتلا في ساحة الحرب. - وماذا تريد الآن؟ - أريد أن أتطوع. - أتريد أن تنتقم لولديك؟ - لا، لا أظن ذلك لأنني لا أحب الانتقام ولكن قوة غريبة لا يمكنني تعليلها تدفعني للتطوع، وأرى أنه من الضروري أن أذهب أيضا إلى ميدان القتال. وما جاء المساء حتى ارتدى الرجل الملابس العسكرية وسافر إلى ساحة الحرب. •••
الضيف الثقيل: نزل ولي عهد ألمانيا ضيفا غير كريم في قصر البارون دو باي في أثناء وقعة «مو» أو واقعة المرن الكبرى، والبيت المذكور من أقدم البيوت كما أن القصر من أقدم قصور الأشراف في فرنسا والظاهر أن الابن سر أبيه فقد فعل الولد في القصر المذكور ما فعله الوالد في أثناء زيارته قصور الكبراء في الشام فلم ير شيئا تستحسنه عينه، ومن حمد الله أنها تستحسن كل شيء إلا أمر بجمعه، وقد كتبت البارونة كتابا نشرته صحف فرنسا قالت فيه: إن ولي العهد حطم زجاج ممشى يبلغ طوله 45 مترا والزجاج أثري قديم العهد، ثم نهب جميع الأسلحة والمجوهرات والمداليات والأواني القديمة العهد والكئوس الذهبية المنقوشة والهدايا التي قدمها قياصرة الروس للبارون أثناء سفره إلى روسيا بمأمورية سياسية، وقد نهب من متحف سنة 1812 جميع الأيقونات الروسية الثمينة والأبسطة الحريرية البديعة، والخلاصة أنه سرق كل ما خف حمله وغلت قيمته وكان الخدم الذين بقوا في القصر بعد هرب البارونة منه يرون هذا النهب ويبكون على أخذ هذه الأشياء الغالية على قلوبهم.
Shafi da ba'a sani ba
وقد ختمت البارونة كتابها بقولها: إن ولي العهد أخذ صورتي القيصر والقيصرة وسحقهما تحت قدميه على عتبة ذلك المعبد. •••
رأى جندي فرنسوي فلاح وهو يقاتل في طابوره أن الألمان خبئوا متراليوزا في حرج إلى جانب قرية فانسل إلى القرية وخلع زيه العسكري ولبس زي فلاح وأخذ المتراليوز وكان طابوره قد تقهقر فوصل متأخرا بزي الفلاحين فعقد ضابطه مجلسا عسكريا ليحاكمه محاكمة الفار من القتال، فلما انعقد المجلس قال الجندي لضباطه ماذا تريدون مني؟ مروني أفعل؛ فقد تأخرت لأحمل متراليوز الألمان فإن شئتم أن أجيء بمتراليوز آخر فعلت، فكانت النتيجة أنهم أعطوه نشانا وعرفوا أنهم أخطئوا وأصاب وتسرعوا فخدم. •••
للمسيو بوانكاري رئيس جمهورية فرنسا سابقا منزل وحديقة حوله وبعض الأملاك في سامبيني بشمال فرنسا فلما تقهقر الألمان من نهر المارن شمالا ووصلوا إلى مقربة من تلك البلدة في 8 أكتوبر سنة 1914 صبوا جام غضبهم على منزل المسيو بوانكاري هناك فأطلقوا عليه 48 قنبلة ودمروه كله. •••
لما دخل الألمان مدينة كونديه في مقاطعة «اللورد» في فرنسا وجدوا في إحدى الساحات العمومية تمثالا للقائد الفرنسي الشهير «بوالو دي سان ماري» فحاولوا إنزال هذا التمثال عن قاعدته بواسطة حبل فانقطع الحبل، ولما لم يفلحوا اصطف 50 جنديا منهم وأطلقوا مئات الرصاص على التمثال، وقد قرر المجلس البلدي في تلك المدينة إبقاء آثار الرصاص ظاهرة على ذلك التمثال. •••
لما مر الألمان بمدينة ريمس متقهقرين نحو الشمال قرأ أهالي المدينة عبارة مكتوبة بالألمانية على العربات والأتوموبيلات حملتهم على الهزء والضحك فألهتهم حينا عن مصائبهم، أما العبارة فهي: غليوم الثاني إمبراطور العالم. •••
أعدم الألمان الكونت بونوكي أحد أعيان بولندا رميا بالرصاص لأنه احتج على السلطة العسكرية الألمانية عندما استوت عنوة على بعض ممتلكاته. •••
فعل المدافع الألمانية: نقلت جريدة الطان بلاغا لاسلكيا عن الصحافة الألمانية ذكر فيه ما يأتي : تقول الصحافة الفرنسية إن فعل القنابل التي تطلقها المدافع الألمانية ضعيف وانفجارها نادر وذلك القول حق، على أن تلك القنابل ليست من مصنوعات ألمانيا، بل هي غنيمة حرب أخذناها من الفرنسويين والبلجيكيين ونحن لا نجهل رداءة صعنها ولكن لما كنا قد غنمنا مقدارا كبيرا منها رأينا أن نعطلها فأعدناها إلى أصحابها من أفواه المدافع.
فكان جواب الصحافة الفرنسوية اللاسلكي على ذلك البلاغ: «وصل إلى جميع محطات التلغرافات اللاسلكية بلاغ رسمي ألماني يقول إن القنابل التي تطلقها مدافع الألمان لا تنفجر إلا نادرا ويقول إن تلك القنابل هي بعض الغنائم التي أخذت من الفرنسويين والبلجيكيين، والظاهر أن الألمان الذين يشعرون كل يوم بفعل المدافع الفرنسوية ويعرفون مزاياها أكثر من سواهم قد وجدوا لها مزية جديدة حميدة وهي أن المدافع الفرنسوية إذا أطلقها غير الفرنسويين لا تنفجر قنابلها.» •••
أونباشي فرنسا الصغير: يلقب نبوليون بونبارت الشهير بالأنباشي الصغير أمام اليوم فلا ينفرد نبوليون بهذا اللقب ففي فرنسا أنباشي صغير ينطبق عليه هذا الوصف من جميع الوجوه.
وقد روى مكاتب شركة سنترال نيوز التلغرافية من باريس حكاية الأنباشي الصغير، فقال: عدت الآن من زيارة «أنباشي فرنسا الصغير» وهو الآن بطل معروف في هذه العاصمة واسمه غستاف شاتان من الآلاي الثاني والتسعين من المشاة، وقد قابلته في منزل قائده وهو يلعب بالدمى والألعاب، ولما أبصرته لابسا البذلة العسكرية حسبته دمية لصغره فلما حادثته أدركت أنه رجل.
Shafi da ba'a sani ba
وقد قص علي حكايته بعبارات بسيطة، فقال إنه بلغ الخامسة عشرة من عمره وهو ابن بستاني كان يعمل مع والده في بستانه في سنيلس فمر الآلاي الثاني والتسعون بهما، ولما رأى الولد الجنود رمى معوله وتبعهم فاندس بينهم وغافل موظفي المحطة فدخل القطار الذي أقل الآلاي إلى الحدود الشرقية، ولما افتضح أمره أعجب رجال الآلاي به وتبنوه، ثم خاطوا له بذلة عسكرية صغيرة فلبسها والفرح يكاد يطير لبه.
واتفق وهو في وفنتنوي أنه التقى ببنت صغيرة استحوذ عليها الرعب، فأخبرته أن بعض الجنود الألمان دخلوا بيت أمها فعاد غستاف إلى الآلاي وجاء ببندقية وحربة وكمية من الخرطوش، وقال للبنت دليني على البيت.
ولما وصلوا سأل الأولاد قائلا: أين الألمان؟ فأجابوه وركبهم تصطك خوفا أنهم في الدور العالي يشربون كل ما في المنزل من الخمر فأسرع إلى حيث دلوه وفتح الباب فوجد سبعة جنود ألمان، وقد أخذت الخمرة تلعب برءوسهم فصوب بندقيته إليهم وأمرهم أن يقفوا وينزلوا أيديهم إلى أجنابهم ويمشوا أمامه وتوعد من يخالفه بالموت فأطاعوا وبعد قليل أبصر جنود الآلاي غستاف عائدا وأمامه سبعة جنود ألمان منكسي الرءوس وهو مستعد لهم ببندقيته.
ولما درى قائد الآلاي بما فعل غستاف عينه جنديا في الآلاي، وخرج بعد ذلك بيومين مع فصيلة للاستكشاف فأصيب برصاصة في كتفه وأرسل إلى المستشفى في باريس، ولما التأم جرحه عاد إلى مستودع الآلاي وقدم نفسه طالبا الرجوع إلى ميدان الحرب فشفقوا على صباه وأبوا عليه السفر ولكنه انسل إلى قطار كان يستعد للسفر بفصائل الجنود إلى الشمال فلم يره أحد لأنه اختبأ في القش الذي كان في مركبات المواشي، ولما وصل قدم نفسه إلى الكولونل وشرح له حكايته فرثي الكولونل له ولم يشأ أن يرده خائبا فألحقه بأحد البلوكات.
وبعد ذلك بثلاثة أيام أمر الآلاي بالنزول إلى الخنادق فذهب غوستاف مع جنود بلوكه وكان يتمنى أن يصدر إليهم الأمر بالحملة على «البرابرة» ولم يطل الزمان حتى تحققت أمانيه؛ فإن الأمر صدر بالهجوم، وكان غستاف في مقدمة الجنود غير مبال بالقنابل والرصاص ولا بالقتلى والجرحى الذين كانوا يسقطون في حومة الوغى حوله، وظل هاجما وهو يصيح «فلتحي فرنسا» حتى بلغ خندق العدو وهو يطعن ذات اليمين وذات الشمال واحتل الفرنسويون خنادق الألمان، ولكن غستاف أصيب برصاصة في صدره، وانفجرت قنبلة بجانبه فقذفته في الجو وسقط، فكسر بعض أضلاعه ولكن شجاعته لم تفارقه، فقال للذين حملوه: «هذا حسن وأنا سعيد جدا.»
وزاره الكولونل تلك الليلة في المستشفى ورقاه إلى رتبة أنباشي قائلا: أنت الآن أنباشي فرنسا الصغير الثاني (إشارة إلى نبوليون الأنباشي الصغير الأول) والجيش يفتخر بك .
وشفي غستاف من جروحه وعاد إلى آلايه، وقبل ذهابه أخذه الجنرال جاليتي قائد موقع باريس إلى أحد المخازن الكبيرة؛ حيث اشترى له صندوقا من القطرات فإن أحب شيء لغستاف بعد الحرب التلهي بتسيير القطرات.
ولما سئل عن الجنود البريطانية مدحها، وقال إنه التقى ببعضها بجوار إيبر فأعطوه لحما ومربى ودخانا وسائر ما طلب، وقال: «إن طعام الجنود الإنكليزية أفخر من طعام الجنود الفرنسوية.»
ومن الذين عرفهم غستاف وصافحهم ملك البلجيك والبرنس «أوف ويلس» ويقال إنه سينعم عليه قريبا بالمدالية العسكرية اعترافا ببسالته وحسن خدمته (ولا ريب أنه يستحق ذلك). •••
ضابط روسي ينجو مرتين من الإعدام: أرسل هذا الضابط إلى قرية «ملانا» في بروسيا الشرقية لاستطلاع قوة العدو وتقدير عدد جنوده، فتزيا بزي الفلاحين، وقصد تلك القرية حيث تظاهر أنه ولد من أولاد المزارعين إلى أن اشتبه في أمره بائع فوشى به إلى السلطة العسكرية وألقي القبض عليه، ثم سيق إلى المحاكمة أمام ملازم بروسي، وكان هذا الملازم صغير السن كبير النفس حسن البزة على عينه اليسرى زجاجة ينظر من ورائها نظرة المتغطرس المعجب بنفسه، وبيده منديل تفوح منه الروائح الطيبة، فأمره أن يخبر عما يعلمه من أمر الجنود الروسية المرابطة في ضواحي البلد، ولما سمعه يقول إنه لا يعلم شيئا عنها حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص في صباح اليوم التالي.
Shafi da ba'a sani ba
الفرار الأول: ومن حسن طالع الضابط أن الجنود الألمان الذين تولوا أمر حراسته تغلب عليهم النوم في تلك الليلة فاستغرقوا في سبات ثقيل مكنه من الانسلال والهرب وهم لا يفيقون، وكان قد لبس رداء لواحد من الحراس وتسلح بمسدس، فخرج من القرية وهو يلتفت ذات اليمين وذات اليسار، وقبل الابتعاد عنها لقي حصانا فركبه وجد في السير طالبا المعسكر الروسي، غير أن طلوع الفجر أدركه قبل الوصول إليه، فرأى عن بعد فصيلة من الجنود الألمانية مقبلة عليه، حينئذ نزع عنه الرداء الألماني ورمى بالمسدس إلى الأرض، ثم تقدم إلى الجنود الألمانية، فقال لهم إنه آت من مكان بعيد ليعود والده المريض المقيم بتلك النواحي فسكت قائد الفصيلة هنيهة، ثم لطمه، وقال له: كذبت أيها الخبيث، فما أنت إلا جاسوس، وقد خانتك الجزمة التي في رجلك وهي من الجزم التي تلبسها الجنود الروسية، وكان الأمر كما قال القائد، فحكم على الضابط الروسي هذه المرة بالإعدام شنقا.
الفرار الثاني: على أن حسن الطالع لم يفارق الضابط الروسي، فتمكن من تسلق جدران البيت الذي قيد إليه ليقضي فيه آخر ليلة من ليالي عمره وخرج من نافذة كانت فيه، ثم دب على يديه ورجليه دبيب ذوات الأربع منسلا بين الحراس فأسرع في المشي، وأخذ يعدو إلى أن وصل إلى المعسكر الروسي ينقل إلى أركان الجيش من الأخبار ما ساعدهم على النجاح في أعمالهم الحربية. •••
ولي عهد بافاريا في شارلروي: في أول الحرب دخل الجيش البافاري مدينة شارلروي ظافرا منتصرا بقيادة الأمير ولي عهد بافاريا وضرب القائد على المدينة غرامة حربية مقدارها مليون فرنك، فاستكثرها رجال المجلس البلدي لا سيما وأنه ليس لديهم في خزانتهم إلا ما يساوي ربع القيمة أو دون ذلك، ولم يجدوا حيلة للخلاص من دفعها، فقالوا نذهب إلى المطران ونعرض عليه الأمر لعله يجد في قلب الأمير سبيلا إلى الشفقة، فأبلغوه الخبر فتردد أولا خشية من أنه لا يلاقي إلا الجفاء والرفض، ومن الغد أرسل حافظ سره إلى القيادة العامة يستأذن له بمقابلة الأمير القائد.
قال: ذهب الكاهن وهو يرعد خوفا إلا أنه لما انتهى إلى حيث معظم الجند جالسون تشجع وعاد إليه جأشه لما رأى الجند يقفون احتراما له ويحيونه بالسلام على طول الطريق إلى أن بلغ مركز القيادة، وطلب موعد مقابلة مخدومه للأمير فعين الموعد ورجع الكاهن مستبشرا خيرا، وأخبر المطران بما كان فسر، وتشجع وفي الموعد المضروب مضى المطران فاستقبله الأمير ولي العهد وحده بكل بشاشة وإيناس واستوعب مطالبه، ثم إن الأمير استدعى إليه رئيس أركان حربه وكان بروسيا طويل القامة غليظ الجفنين بادي القسوة فهمس في أذنه، ثم التفت إلى المطران، وقال له : قد أعفينا المدينة من الضريبة، فخرج المطران من حضرة الأمير البافاري شاكرا يتحدث بلطفه وكرم خلاله. •••
الألمان يحرقون قتلاهم بجوار استرناي: استرناي قرية فرنسوية قرب مدينة سيزان وعلى بعد تسعة أميال فقط من باريس، احتلها الألمان يوم السبت في 12 سبتمبر سنة 1914، وظلوا فيها إلى يوم الإثنين في 14 منه، وقنابل المدافع الفرنسوية تهطل عليهم كالمطر الهطال طول تلك المدة حتى اضطروا أن يخلوها بعد قتال يشيب الأطفال في معركة المارون الشهيرة، وقبل أن يرحلوا عنها جمعوا جثث قتلاهم ووضعوها على قطع كبيرة من الحطب قرب محل ينشر فيه الحطب ألواحا من الخشب، ثم أفرغوا عليها «صفائح البنزين» وأضرموا فيها النار فاحترقت احتراقا هائلا وتصاعدت روائح الشواء في الفضاء، وكان بالقرب من لهبها عدة بخارية من نوع اللوكوموبيل فاحترقت من حر نارها ولم تعد تصلح لعمل. •••
أول رصاصة: في قلعة قديمة من قلاع النمسا - هي اليوم سجن للمجرمين - رجل في مقتبل الشباب محكوم عليه بالحبس عشرين سنة يقضي أيامه في حجرة يحرسها جندي واقف أمام بابها ليل نهار، وهو ينظر كل ثلاث دقائق من ثقب في الباب إلى المسجون ويراقب حركاته وسكناته، وذلك المسجون مقيد الرجلين بقيد ضخم، يجلس على مقعد من خشب أمام منضدة حقيرة عليها فانوس ينير ظلام الليل بنوره الضئيل من المساء إلى الصباح، وقد حرم عليه الكلام والكتابة والقراءة، ولا يسمح له بالخروج من حجرته إلا ساعة من الزمان من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة صباحا لتبديل الهواء في صحن البناء فيسير الهوينا سير المحمل عبئا ثقيلا، تصطك حلقات القيد الذي في رجليه فيسمع لها رنين يدوي في هدوء ذلك المكان كأنها أنين المتوجع، ويتبع في خطواته عن كثب حارس السجن شاهرا بندقيته.
ذلك الشاب هو جافريو برنسيب قاتل الأرشيدوق فرنز فردينند ومثير هذه الحرب الطاحنة بين خمس إمبراطوريات وجمهورية وثلاث ممالك وسلطنة، عدد سكانها وسكان مستعمراتها 600 مليون نفس وعدد جنودها التي كانت تخوض معامع القتال نحو 20 مليون جندي.
وقد قالت مجلة «الساتوردي إفيننج بوست» الأمريكية: إننا لم نسمع من اليوم الذي حكم فيه بالحبس على جافريو برنسيب أن واحدا من أصحاب معامل الأسلحة بعث بخمسين سنتيما لذلك المجرم اعترافا له بالجميل، وهو الذي روج سوق بضاعتهم وملأ خزائنهم قناطير مقنطرة من الذهب الرنان، بل لم نسمع أن ملكا أو أميرا أو قائدا كبيرا كان يحلم بالحرب إبان السلم أتحف برنسيب شروي نفير يوم حقق ذلك المجرم حلمه وبلغه منها، ولو كان الإنصاف من شيم الناس لجعلوه أميرا أو أقاموا له تمثالا كبيرا. •••
إلغاء الامتيازات بين أنور وجاويد:
جاويد :
Shafi da ba'a sani ba
قلت لك لا تعجل بإلغاء الامتيازات الأجنبية فإن نصر ألمانيا غير مضمون.
أنور :
أنا لم أعلن إلغاء الامتيازات بل لجنة الاتحاديين، وفي الوقت الذي كنت أنتظر فيه دخول الألمانيين باريس.
جاويد :
ولكن الحال تبدلت الآن وارتد الألمان على أعقابهم.
أنور :
وجلالة السلطان يعلن غدا أن شفقته ما زالت تعم الأجانب ولذلك أعاد امتيازاتهم لهم.
جاويد :
وماذا نفعل مع دول الوفاق؟
أنور :
Shafi da ba'a sani ba