أمرك يا بك (وللحال أخرج من جيبه جنيها وأعطاه إلى حافظ بكل احترام).
حافظ :
إني سأرده إليك غدا إذا تمكنت من الاجتماع بعمتي، وإلا فلا مناص لي من أن أقترض منك مبلغا من المال إلى أن يمن الله عليها بالشفاء العاجل.
الرومي :
يجب أن تتأكد يا سعادة البك أنني دائما طوع أمرك. (ولعله قال ذلك عن طمع منه بالربا الذي يتقاضاه اليونانيون من أبناء الذوات، ولكن ما كل ذي ورم بذي سمن.)
وفي اليوم الثاني خرج حافظ من الفندق وأمضى النهار متنزها هنا وهناك، وعندما خيم الغسق عاد إليه وقال لصاحبه إن عمته لم تزل مريضة، وإنه ليس في وسعه الحصول على النقود إلا بعد أسبوع من الزمان، ولذلك هو يرجوه أن يقرضه خمسين أو ستين جنيها، فأثر بكلامه على الرجل؛ لأنه أحضر إليه المبلغ في الحال، فكتب له حافظ به كمبيالة يدفعها إليه عند الطلب.
وفي اليوم التالي شاهدته في الطريق فحياني وشكرني على ما نشرته له من المقالات والقصائد التي بعث بها إلي من سجن الحضرة، فقلت له أن لا موجب لهذا الشكر؛ لأنني أعتقد أن ما أتاه هفوة منه لا يبعد عليه أن يصلحها وهو لم يزل في سن الشباب، فأخذ يقسم لي بأغلظ الأيمان أن كل ما روته الجرائد عنه محض اختلاق، وأن مسألة سجنه سر من الأسرار، فلم أطل معه الكلام في هذا الصدد، بل سألته ما إذا كان زار أباه وإخوته، فقال: لا، وما ذلك إلا لأني خجل من مقابلة أبي، فقلت له: أنا الكفيل لك برضاه إذا وافقتني وذهبت معي لزيارته، فرضي.
وعند ذاك ركبنا عربة وقفت بنا عند منزل أبيه، وهو حضرة الفاضل أحمد أفندي نجيب في جزيرة بدران في شبرا، فلما اجتمع الوالد بالولد أظهر الأب لابنه استياءه الشديد مما حصل له، ووبخه توبيخا صارما، فقال له حافظ: «كم في الحبس من مظاليم!» ومع ذلك فالمثل يقول: ما فات مات، فانظر لما هو آت.
وبعد حديث غير طويل صفح أبوه عنه، واتفق وإياه على أن يدير حركة المحل الذي افتتحه حديثا إذ ذاك لتركيب المصابيح والأجراس الكهربائية بأول شارع الدواوين تحت عنوان - شركة الكهربائية الحقيقية - فوعد حافظ أن يستلم زمام العمل من غد، ثم خرج مع أبيه حيث تنزها في المساء معا.
وهنا لا بأس من إيراد كلمة موجزة عن الفاضل أحمد أفندي نجيب؛ ليرى القراء الكرام أن الصالح ينبت الطالح في بعض الأحايين، كما ينبت النرجس من البصل أحيانا.
Shafi da ba'a sani ba