هي لا تنتطق لتخدم، ولكنها في بيتها متفضلة، ومعنى عن في هذا البيت معنى: من بعد. وكذلك قوله:
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
فإنما أراد أن يصف هذا الفرس بالسرعة وأنه جواد، فلم يتكلم باللفظ بعينه، ولكن بأردافه ولواحقه التابعة له، وذلك أن سرعة إحضار الفرس يبعها أن تكون الأوابد، وهي الوحوش، كالمقيدة له إذا نحا في طلبها.
والناس يستجيدون لامرئ القيس هذه اللفظة، فيقولون: هو اول من قيد الأوابد، وإنما غزا بها الدلالة على جودة الفرس وسرعة حضره، فلو قال ذلك بلفظه لم يكن الناس من الاستجادة لقوله مثلهم عند إتيانه بالردف له.
وفي هذا برهان على أن وضعنا الإرداف من أوصاف الشعر ونعوته واقع بالصواب.
ومنه قول ليلى الأخيلية:
ومخرق عنه القميص تخاله ... بين البيوت من الحياء سقيما
فإنما أرادت وصفه بالجود والكرم، فجاءت بالأرداف والتوابع لهما، أما ما يتبع الجود، فإن تخرق قميص هذا المنعوت فسر أن العفاة تجذبه فتخرق قميصه من مواصلة جذبهم إياه، وأما ما يتبع الكرم فالحياء الشديد الذي كأنه من إماتته نفس هذا الموصوف وإزالته عنه الأشر يخال سقيما.
ومنه أيضًا قول الحكم الخضري:
قد كان يعجب بعضهن براعتي ... حتى سمعن تنحنحي وسعالي
فأراد وصف الكبر والسن، فلم يأت باللفظ بعينه، ولكنه أتى بتوابعه وهي السعال والتنحنح.
أبيات المعاني: ومن هذا النوع ما يدخل في الأبيات التي يسمونها أبيات معان. وذلك إذا ذكر الردف وحده، وكان وجه اتباعه لما هو ردف له غير ظاهر، أو كانت بينه وبينه أرداف أخر، كأنها وسائط، وكثرت حتى لا يظهر الشيء المطلوب بسرعة، وهذا الباب إذا غمض، لم يكن داخلًا في جملة ما ينسب إلى جيد الشعر، إذ كان من عيوب الشعر الانغلاق في اللفظ وتعذر العلم بمعناه.
التمثيل:
وهو أن يريد الشاعر إشارة إلى معنى فيضع كلامًا يدل على معنى آخر، وذلك
1 / 58