لقد سمعت مرارا رجالا يقولون: إن فلانة ليست جميلة ولكن بها شيئا لا نعلم ما هو يقبض على روح الرجل فيجعله أسيرا.
فإلى مثل هذا الجمال قد حولت أبصارك يا أختي وهذا هو الحسن الذي علمتك أن تكتسبيه.
أول شرط لبلوغ الجمال هو إهمال الجمال حتى يتولد حسن النفس ويعود منصبا من الداخل إلى الخارج، فيصبح جمالا حقيقيا يخشع أمامه الناظر وهو لا يعرف ماهيته ...
إذا قمت بكل هذه الواجبات التي خططتها لك وبقي الرجل مستمرا على غيه، إذا بقيت روحه جامدة لا تشعر؛ فذلك لأن داءه داء عياء لخلوه من كل عاطفة وسقوطه إلى درجة الحيوان؛ ذلك لأن روح ذلك الرجل لم تعد مرتكزة على إحدى طبقات النفوس البشرية، ويخال لي أنها أتت إلى العالم لتخرج منه محملة بالرجاسات والدنايا التي تكون ذاتية حياتها الأبدية، ومثل هذا الرجل يندر وجوده إن لم أقل يستحيل، وإن كانت الأقدار قد ألقت عليك مثل هذه المصيبة الهائلة، فإن الحياة لم تحرمك من موضع تسكبين عليه حبك المعذب، انحني على السرير أيتها الأم ورقي نطفة حياة الرجل الذي تمرد على مجدك السماوي، علمي الإنسان يفهم اتحاد الأرواح، فإن الولد الذي لم يحب أمه لا يقدر فيما بعد أن يدغم روحه بروح جنسك السامي.
أنت ضحية رجل لم يستمد من عيني أمه ذلك الشعاع الذي يرثه الإنسان ويتركه لمن بعده إلى نهاية الدنيا، لست ضحية الرجل أيتها العقيلة التاعسة، بل أنت ضحية أم مثلك، فأعدي لأختك في الجنس ولدا لا يتمرد على نور الحياة التي يبعثها الله من جنانه إلى الأرض، متألقة من بين أجفان الملاك الذي يعزي الإنسان ويذكره بالأبدية.
وإذا حرمك الله من الطفل وكانت روحك أرملة، وكان زوجك حيوانا تسلطت الأنانية عليه فلا يشعر بوجود شيء غير ذاته، إذا كنت بهذه الحالة أيها الملاك الشهيد وحاولت عبثا أن تتفاهمي مع زوجك، فاعلمي بأن روحك المرتقية هي حرة في طبقتها السامية كالهواء على جبال صنين، انظري من علو مجدك إلى الحيوان السافل الذي يملك جسدك وتأسفي على مخلوق يكفيه قصاصا أنه محروم من تعزية انضمام الأرواح، وليس الجحيم في الأبدية غير انفراد النفس مع شرها وحرمانها عذوبة الارتقاء، أما أنت فليست نفسك منفردة في طبقتها، هي تلامس الخير والحق، وحين تلمس روح زوجك الساقطة، فحينئذ تنبعث من ذلك التقارب شرارة تنير قلبك وتحرق قلبه، هي شرارة الضحية السامية التي ما برحت منذ بداية العالم تجول في كل طبقات العالم، عند أقدام العروش وفي زوايا القصور والمحاكم والكنائس والسجون، على مناضد الكتاب ومن فوق منابر الخطباء، هي شرارة الضحية التي لمعت منذ عشرين قرنا بكل قوة النور من جنب الفادي، فحملتها كلمته المقدسة من قرب الموت لتدخل الحياة في الموت، تلك الكلمة التي يجب أن يتعلمها كل عظيم وهي:
اغفر لهم يارب؛ لأنهم لا يدرون ما يفعلون.
أيتها الامرأة لك أسوة بالنفوس الكبيرة التي لم تفهمها صغارة الوجود، فسلام على روحك؛ لأنني أعبد بها إله الضحية. •••
لقد كثر لغط الكتاب في تحديد واجباتك كأم أيتها المرأة، امتلأت الجرايد وشحنت الكتب منادية بوجوب ارتقاء الوالدة لتهذب بنيها وتربيهم على المبادئ الحسنة الرفيعة، حتى أصبح كل مناد بهذا الموضوع كالمنشد أغنية يتشدق بها أولاد الأسواق، وغدا هذا البحث متبذلا يعطيه المعلمون موضوعا لتمرين الصبيان على الإنشاء بين جدران المدارس.
أنا لا أريد زيادة صفحة جديدة على الصفحات التي طرحها الابتذال على حضيض النسيان، وألقتها الأيدي موضع الضجيج الذي لا يتجاوز تأثيره مفعول تخديش الآذان.
Shafi da ba'a sani ba