لم يذكر لنا التاريخ رجلا أعظم شرا من نيرون العاتي، وكان هذا الرجل مع كل شره في حياته المملوءة بالمظالم والمغموسة بالدماء ينطرح أحيانا باكيا عند أقدام العرش، وفي نفسه كل المصائب التي كان يلقيها على كاهل الشعب بالعبودية والموت، فلو وجدت في تلك الفترات نفس سلبية راقية، نفس امرأة تعرف كيف ترقي الأرواح المنحطة إلى طبقتها لتحولت صفحة التاريخ السوداء التي تختم ملك الرومان إلى صفحة أمجاد وعظمة وارتقاء.
في مثل هذه الفترات يجب أن تتجلى روحك بكل عظمتها أيتها المرأة، لا تحاولي إصلاح زوجك وهو ثامل بشره؛ لأن مثل هذا الإصلاح يستوجب العنف والصرامة، وأنت إذ تحاولين الحصول على هاتين الصفتين لا تبلغين القوة اللازمة لمعارضة الرجل، بل تفقدين قوة عذوبتك وشدة روحك، انتظري حتى تسقط الزوبعة وحين يسطو الهمود على زوجك بمفعول رد الفعل، تقدمي حينئذ وأظهري النصح بلا تعنيف، تأسفي معه على سقوطه ولا ترمي خطيته بوجهه كفساد لا يزول؛ لأن كبرياء الرجل منتبهة دائما لتعضد كل ما يأتيه حتى الشر، فإذا جرحت هذا القسم من محبة الذات البشرية، يتحول ندم الرجل إلى عنف وصلف، ويبدأ أن يبرهن لك عن صلاح الشر فيصير الأسود أبيض ويحول الحسن إلى قبيح، وهكذا لا يلبث أن يقنع نفسه بالحجة التي يدافع بها فيدخل الشر إلى روحه ويتأصل بها فلا يزول، إذا كان الضلال خطأ في زوجك فلا تحوليه بتعنيفك إلى صفة ملازمة ... كوني حكيمة وارفعي الوهن والزيغان من روحك أولا، وحينئذ كل كلمة تنطقين بها يكون لها دوي في نفس من يسمعها، إن هذه العوالم السابحة في الفضاء بنظام أبدي لهي محركة بقوة روح واحدة، تنبعث عنها كل الأرواح المستقلة إلى أمد، وليست القوى المادية إلا مظهرا أو خيالا لإرادة تلك الروح السامية التي بدونها لم يكن شيء مما هو كائن.
فاجتهدي أيتها المرأة أن ترقي نفسك إلى الأوج الأعلى لتلامس قوى الروح الأولى فتصبح قوتك مطلقة وإرادتك صالحة واجبة الإتمام على كل من يشعر بها.
أيتها المرأة اعلمي بأن التفاهم هو الذي يولد الحب الأكيد ولا يخال لك بأن الحب هو أصل التفاهم، انظري ما حولك وتمعني تجدي أكثر من شاب وفتاة كان أصل زواجهما حب مولد عن نظرة وابتسامة وسلام، فما مر على اتصالهما ردح من الدهر حتى تحول الحب إلى نفور وحارت اللذة عذابا أليما، ليس التفاهم ابن الحب بل الحب نتيجة التفاهم، فاعرفي أن تميزي بين الأصل والفرع، كوني على ثقة بأن وجود روحين في طبقة واحدة من الرقي ينتج الحب الجسدي اضطرارا، ومن الشواذ أن يقترب جسدان بالحب وينتهي اقترابهما بالتفاهم الروحي، النتيجة لا تصير مصدرا لأصلها، فاجتهدي أن تجمعك بزوجك طبقة واحدة من الارتقاء، وحينئذ تكوني أتممت الواجب الذي تنتظره الإنسانية منك وتناديك به الوطنية وقد حصرت بك نصف آمالها.
أيتها العقيلة إن وجود التفاهم قبل الزواج لهو خير من الاجتهاد لإيجاده فيما بعد، والوقاية أفضل من العلاج، ولكن هذه الألفة السورية المقسمة بأوهام العائلات وقوة المال، هذه الألفة التي رسا ترتيبها على الظاهر واختنقت بها الداخليات في النفوس، لهي بعيدة جدا عن تقريب الذاتين المتفاهمتين، وقلما تتفاهم روحان في بلادنا إلا وتقف بينهما الحواجز الهائلة سدا منيعا، لا يوجد شاب واحد في سوريا يمكنه أن يترك روحه تجول بين غاداتها طالبة أختها للانضمام وإيجاد السعادة، كل شاب منا قد أحب مرة وتفاهمت روحه مع من يحب، فجاءت قوة المادة تقطع الرباط وتجرح القلب رامية الروحين على حضيض اليأس والقنوط، لا يوجد غادة في سوريا يمكنها أن تتبع أميال روحها، وقلما نادى قلب غادة بالحب دون أن تخنق صوته يد الحاجة وضغط الوسط المادي.
نحن الآن نجاهد في ألفة ارتكز بها كل شيء على حرب الاقتصاد السياسي، فأصبحت كل حاجات النفس مساقة بقوة المادة، ولهذا يجب على المفكرين الذين يتألمون لجرح العواطف وبيع الأرواح أن يداووا العلة من أصلها، ويشتغلوا لرفع الضنك الذي يخنقنا لرضوخ حياتنا المادية لعبودية الأجانب، وحين تتفرق قوى الحياة بالتناسب ما بين طبقات النفوس لا بحسب طبقات المال، فحينئذ يمكن للأرواح أن تتفاهم قبل الزواج، ونكفي المرأة مئونة الشقا الذي تتحمله والعظمة التي نكلفها إياها لمداواة العلة الهائلة.
أما الدواء الذي يصفه المفكرون أيتها المرأة السورية، دواء التمرد وكسر القيود، فذلك حكم يشابه مبدأ الفوضويين الذين يريدون نزع السلطة من بين الناس، فلا يصلون إلا لنتيجة واحدة وهي قتل أفراد معدودين وإهلاك القاتل نفسه ...
هكذا أنت أيتها المرأة إذا تمردت على رباط الزواج فإنما أنت جارحة لمبدأ الشريعة جرحا واحدا، ومثخنة نفسك بألف جرح، لم نر لليوم امرأة تركت زوجها في سوريا ولم تتلقفها الأيدي الغريبة مرارا لتطرحها أخيرا إلى الهوة الهائلة الفاغرة فاها لابتلاع الأزهار الجميلة التي أضلها الريح، ودفعتها عواصف التمرد إلى سبيل الشقاء.
ابقي أيتها المرأة في بيتك واعلمي بأن مملكتك محصورة ضمن هذه الجدران التي اخترتها لك مسكنا، فإن كان هذا المسكن خاليا من الحب؛ فذلك لأنك ساعدت الرجل على طرح الروح من نوافذه، إذا كان هذه المسكن مملوءا بشياطين الغيرة فذلك لأنك رضيت من الرجل حبه لجسدك وحصرت كل جمالك بالظواهر الكاذبة.
مهما كنت محرومة من الجمال أيتها المرأة فمن السهل أن تصيري أجمل من أجمل امرأة، إذا كانت قامتك محدوبة بلا ارتفاع ولا تناسب، فالحركة التي تعطيها الروح الراقية للجسد تجعل قامتك هيفاء وخطواتك كلها مجد وعظمة حقيقية، إذا كانت عيناك صغيرتين بلا معنى ولا قوة، فحين ترتقي روحك يخرج من بين أجفانك نور يكسف نور الشمس ويدخل الحياة بمن حولك، إذا كان فمك واسعا ضخما بلا أقل جمال، فحين ترتقي روحك تمر على شفاهك ابتسامة تجعل المصائب سعادة والظلام نورا باهرا.
Shafi da ba'a sani ba