المتشوشة ما يعظم أذاه ثم إن تلك الهيئة البدنية مضادة لجوهرها مؤذية له. وإنما كان يلهيها عمها أيضا البدن وتمام انغماسه فيه. فإذا فارقت النفس البدن أحست بتلك المضادة العظيمة وتأذت بها أذى عظيما لكن هذا الأذى وهذا الألم ليس لأمر لازم بل لأمر عارض غريب والعارض الغريب لا يدوم ولا يبقى فيزول ويبطل مع ترك الأفعال التي كانت تثبت تلك الهيئة بتكرارها فيلزم إذا أن تكون العقوبة التي بحسب ذلك غير خالدة بل تزول وتنمحي قليلا قليلا حتى تزكو النفس وتبلغ السعادة التي تخصها وأنا النفوس البله التي لم تكتسب الشوق فإنها إذا فارقت البدن وكانت غير مكتسبة الهيئات البدنية الردية صارت إلى سعة من رحمة الله ونوع من الراحة وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنية الردية وليس عندها هيئة غير ذلك ولا معنى يضاده وينافيه فتكون لا محالة ممنوة بشوقها إلى مقتضاها فتعذب عذابا شديدا بفقد البدن ومقتضيات البدن قد بقي. ويشبه أيضا أن يكون ما قاله بعض العلماء حقا وهو أن هذه الأنفس إن كانت زكية وفارقت البدن وقد رسخ منها نحو من الاعتقاد في العاقبة التي تكون لأمثالهم على ما يمكن أن يخاطب به العامة وتصور في أنفسهم من ذلك فإنهم إذا فارقوا الأبدان ولم يكن لهم معنى جاذب إلى الجهة التي فوقهم لاتمام كمال فتسعد تلك السعادة ولا شوق كمال فتشقى تلك الشقاوة بل جميع هيئاتهم النفسانية متوجهة نحو الأسفل منجذبة إلى الأجسام ولا منع في المواد السماوية عن أن تكون موضوعة لفعل نفس فيها قالوا فإنها تتخيل جميع ما كانت اعتقدته من الأحوال الأخروية وتكون الآله التي يمكنها بها التخيل شيئا من الأجرام السماوية فتشاهد جميع ما قيل لها في الدنيا من أحوال القبر والبعث والخيرات الأخروية وتكون الأنفس الرديئة أيضا تشاهد العقاب المصور لهم في الدنيا وتقاسيه فإن الصورة الخيالية ليست تضعف عن الحسية بل تزداد عليها تأثيرا وصفاء كما تشاهد ذلك في المنام فربما كان المحلوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس على أن الأخرى أشد استقرار من الموجود في المنام بحسب قلة العوائق وتجرد النفس وصفاء القابل وليست الصورة التي ترى في المنام والتي تحس في اليقظة كما علمت إلا المرتسمة في النفس إلا أن إحداهما تبتدئ من باطن وتنحدر إليها والثانية تبتدئ من خارج وترتفع إليها فإذا ارتسمت في النفس تم هناك إدراك المشاهدة. وإنما يلذ ويؤذي بالحقيقة هذا المرتسم في النفس لا الموجود من خارج فكل ما ارتسم في النفس فعل فعله وإن لم يكن سبب من خارج فإن السبب الذاتي هو هذا المرتسم والخارج سبب بالعرض أو سبب السبب - وأما الأنفس الحقيقية فإنها تبتعد عن
Shafi 244