243

الواقعة في الحركات الكلية دون الجزئية التي لا تتناهى. ويتقرر عنده هيئة الكل ونسب أجزائه بعضها إلى بعض والنظام الآخذ من المبدأ الأول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه. ويتصور العناية وكيفيتها ويتحقق أن الذات المتقدمة للكل أي وجود يخصها وأية وحدة تخصها وإنها كيف تعرف حتى لا يلحقها تكثر ولا تغير بوجه من الوجوه وكيف ترتبت نسبة الموجودات إليها ثم كلما ازداد الناظر استبصارا ازداد للسعادة استعدادا. وكأنه ليس يتبرأ الإنسان عن هذا العالم وعلائقه إلا أن يكون أكد العلاقة مع ذلك العالم فصار له شوق إلى ما هناك وعشق لما هناك يصده عن الالتفات إلى ما خلفه جملة ونقول أيضا إن هذه السعادة الحقيقية لا تتم إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس ونقدم لذلك مقدمة. وكأنا قد ذكرناها فيما سلف فنقول إن الخلق هو ملكة يصدر بها عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية وقد أمر في كتب الأخلاق بأن يستعمل التوسط بين الخلقين الضدين لا بأن يفعل أفعال التوسط. بل بأن يحصل ملكة التوسط وملكة التوسط كأنها موجودة للقوة الناطقة وللقوى الحيوانية معا. أما القوة الحيوانية فبأن يحصل فيها هيئة الإذعان والانفعال - وأما القوة الناطقة فبأن يحصل فيها هيئة الاستعلاء كما أن ملكة الإفراط والتفريط موجودة للقوة الناطقة وللقوى الحيوانية معا ولكن بعكس هذه النسبة. ومعلوم أن الإفراط والتفريط هما مقتضيا القوى الحيوانية وإذا قويت القوة الحيوانية وحصل لها ملكة استعلائية حدثت في النفس الناطقة هيئة إذعانية. وأثر انفعالي قد رسخ في النفس الناطقة من شأنه أن يجعلها قوية العلاقة مع البدن شديد الانصراف إليه - وأما ملكة التوسط فالمراد منها التبرئة عن الهيئات الانقيادية وتبقية النفس الناطقة على جبلتها مع إفادة هيئة الاستعلاء والتنزه وذلك غير مضاد لجوهرها ولا مائل بها إلى جهة البدن بل عن جهته. فإن التوسط يسلب عنه الطرفين دائما ثم جوهر النفس إنما كان البدن هو الذي يغمره ويلهيه ويغفله عن الشوق الذي يخصه وعن طلب الكمال الذي هل وعن الشعور بلذة الكمال إن حصل له أو الشعور بألم النقصان إن قصر عنه لا بأن النفس منطبعة في البدن ومنغمسة فيه ولكن العلاقة التي كانت بينهما وهو الشوق الجبلي إلى تدبيره والاشتغال بآثاره وبما يورد عليه من عوارضه. وبما يتقرر فيه من ملكات مبدؤها البدن. فإذا فارق وفيه الملكة الحاصلة بسبب الاتصال به كان قريب الشبه من حاله وهو فيه فيما ينقص من ذلك تزول غفلته عن حركة الشوق الذي له إلى كماله وبما يبقى منه معه يكون محجوبا عن الاتصال الصرف بمحل سعادته ويحدث هناك من الحركات

Shafi 243