211

مجموعة أوهام لا أكثر ، ومن هذا القبيل الكشف والشهود الذي يدعيه كثير من «الصوفية» ، فإن المريد البسيط يعتقد في بداية عمله (من جراء الإعلام والدعاية التي يتلقاها من البعض) أنه ينبغي له أن يرى مرشده الحقيقي في المنام ، وتقوى هذه الفكرة عنده كل يوم ، فيتوقع في كل يوم رؤية جمال مرشده ومراده في عالم الرؤيا يزوره ويرشده (غالبا ما يضع أشخاصا معينين نصب عينيه لهذا المنصب ، وإذا لم يعينهم بالدقة فانه يعين صفات ومميزات خاصة لهم).

قد يفقد هذا الصوفي توازن فكره الطبيعي من جراء الرياضات الروحية الشاقة وانحراف المزاج ، فتزداد قدرة الوهم عنده ، فيرى في المنام يوما أشخاصا قريبين من حيث الصفات والميزات من الأشخاص الذين رسمهم في ذهنه ، وقد يتطابقون في الصفات بالكامل ، وقد يحصل هذا في عالم اليقظة ، لأن عيني هذا السالك البسيط انشدت إلى الطريق ، واذنيه صاغيتان إليه دائما فهو يتنظر دائما أن ينفتح له باب من ذلك العالم : فتنمو هذه الفكرة عنده ليلا ونهارا ، وقد تصنع قوة الوهم عنده لا إراديا صوتا ينقر اذنه ، أو تتمثل أمامه صورة ، فيتخذها أساس اعتقاده.

كما أن الاستماع إلى المواضيع المؤنسة والمنشطة (التي قد تبين في اطار إشارات جميلة وتتزامن مع ألحان مخدرة ، يزيد من تأثير التلقينات عليه أضعافا مضاعفة.

إن تلك الفرقة من الصوفيين الذين يؤيدون «الوجد والسماع» (1)، يذوبون فيهما بشكل حيث يفقدون توازنهم ، ويعطل العقل عندهم ، فيتركون الساحة فارغة لقوة الوهم ، وأولئك الغارقون في وهم الكشف والشهود ومشاهدة عالم الغيب يسيرون في عوالم خيالية تتوقف سعتها على شدة الوهم والخيال عندهم ، فتتمثل أمامهم صور مثل بحار النور ، وجبل الطور ، والسموات السبع والأرضين السبع ، وكلما مالت قوة الوهم عندهم إلى شكل أو صورة ، تمثل ذلك الشكل أو تلك الصورة أمام أعينهم.

Shafi 221