Gangar Tsoho
النبع القديم: لوحات قصصية
Nau'ikan
قلت: نعم يا سيدي، وقد جئت أتمشى في نزهتي اليومية قبل أن أتوجه لزيارة أهلي وبعض أصحابي ...
قال بصوت المتهدج: أنا أهلك وصاحبك القديم ... امتلأت حياتك وفاض عقلك وقلبك بحبي أكثر مما امتلأ بحب أي إنسان آخر . أنا ...
قاطعته بالخشوع الواجب: أفلاطون؟ شيخي وشيخ كل المفكرين؟ قال، وهو يسير بجواري ويربت على كتفي لتهدئتي: نعم نعم، وقد تابعتك وقرأت بعين الروح كتابك الصغير عني، واغتبطت باهتمامك بقراءتي.
قلت في خجل وبصوت مرتجف بالرهبة: ليتني استطعت أن أقدم أكثر مما قدمت. لا بد أنك تعلم أيضا مدى اضطراب حياتنا، وانصراف جهودنا إليك وإلى عشرات غيرك من الفلاسفة والشعراء ... إني أعتذر عن تقصيري ...
قال ضاحكا: لكنك بدأت مبكرا. كأني أراك الآن وأنت تفتح أول محاوراتي ...
قلت مسرعا: أجل أجل. لا أدري إن كنت تفهم مصطلحاتنا وغرائب لغتنا، ولكنني بدأت أقرؤك وأنا في الثانوية العامة. مدرس الفلسفة الحبيب - ولا أذكر للأسف اسمه، ولا أعرف إن كان حيا أو ميتا - أعارني ترجمة بعض محاورات شبابك، كريتون وأويطفرون وفيدون. أحببتها وعشت بحس المتيم بالمسرح في أجوائها، وقضيت وقتا لا ينسى مع ساعات سقراط الأخيرة، التي قضاها في إثبات خلود الروح بدلا من البكاء على نفسه أو الجزع من مصيره الأليم ...
قال، وهو يثبت نظراته الثاقبة على وجهي: واتصل اهتمامك بي بعد أن تعلمت لغات غير لغتك، بل أتقنت إحدى هذه اللغات أثناء قراءاتك لمحاوراتي ...
قلت بصوت محزون، وكأني أحد سجناء الكهف الذي صوره في الكتاب السابع من الجمهورية: لكن صورة الكهف ثبتت في مخيلتي وملكت علي عقلي وقلبي، وعندما كبرت في السن وعملت سنوات طويلة بالتدريس، كان أحب شيء إلي أن أشرح هذه الصورة وأبين للشباب كيف يفهمون رموزها ومعانيها ...
قاطعني قائلا: تقصد مغزى الصورة والرمز ودلالتهما على التربية ونقص التربية؟
قلت متحمسا: أقصد أكثر من ذلك. تحول النفس بكليتها نحو المعرفة، وخروجها من ظلام الجهل والظن والوهم إلى نور الوجود والحقيقة واليقين. كان الخروج من الكهف؛ أي من حياة الذل والشقاء والسأم اليومي والعمل الممل العقيم، هو كل همي. وأنت نفسك أوضحت أن أحد المسجونين الذي تحرر من قيوده وأغلاله ورأى نور الشمس وعاين الحقائق والمثل التي تستضيء وتتدفأ بنورها. هذا المتحرر الذي سميته بالمنقذ، لم يرض بأن يستأثر بالنور والمعرفة والحقيقة لنفسه، فقد هبط إلى إخوته ورفاقه السابقين وحاول أن يقنعهم بأنهم يحيون في الظلام والجهل والتخلف والبؤس، ولا بد أن يحرروا أنفسهم بأنفسهم ويصمموا، كل على طريقته وبقدر جهده على الخروج من الكهف؛ أي حثهم بالقول والعمل على أن ينقذوا أنفسهم بأنفسهم، وأن تكون حياتهم سعيا دائبا على طريق التحرر ...
Shafi da ba'a sani ba