421

قيل له : إنا لم نحمله على الذكر لأن الظاهر يقتضيه ، لكن على وجه المجاز ، ودللنا عليه بما تقدم ذكره ، وأنتم أردتم الخلق بظاهره وبينا أنه لا ظاهر لكم فيه.

على أن للذكر فى هذا الباب مزية ، وذلك أنه تعالى إذا أسمعهم ذلك وأورده عليهم ، حتى قرع أسماعهم ، صار بمنزلة السالك إلى القلب والوارد عليه ، وحل محل الجسم إذا ورد على جسم ، وليس كذلك حال الكفر ، لأنه يبتدأ به فى القلب ، فلا يصح فيه معنى السلوك ، لا مجازا ولا حقيقة ، يبين ذلك أنه خص القلب به لما كان المقصد بإيراد الذكر أن يفهم القلب ثم يعمل به ، ولو كان المراد به الكفر والمعصية لم يكن للقلب فيه مزية ، لأنهما قد يحلان فى غيره ، كما يحلان فيه!

ثم يقال لهم : لو كان تعالى يسلك الكفر فى قلوبهم لم يجز أن يذموا ويكلفهم تركه ، ولما جاز أن يقول تعالى ، على جهة التوبيخ ، ( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله ) (1) إلى غير ذلك!

فإن قال : فلما ذا خص المجرمين بالذكر ، وهو تعالى يورد القرآن على الجميع؟

قيل له : إنه تعالى أراد أن يبين لهم أنهم وإن عدلوا عن الإيمان بالرسول عليه السلام والذكر ، واجتهدوا فى جحدهما ، فلا بد من أن يورد ذلك على قلوبهم ، فيكون مزيحا للعلة ومقيما عليهم (2) الحجة ، وليبين أنهم من قبل أنفسهم أتوا ، لا من قبله تعالى ، وذلك مما لا يتأتى فيمن قد آمن ، فلذلك خصوا بالذكر.

Shafi 426