إلا وهم يستطيعون ؛ لأنهم لو لم يستطيعوا ذلك كما ذكروا لكانوا صادقين ، وهذا يدل على أن المنافقين المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجهاد كانوا يستطيعون الخروج معه وإن لم يخرجوا ، وفى ذلك دلالة على أن العبد ، يستطيع (1) ما لا يفعل ، ويقدر على الشيء قبل أن يفعل.
فإن قيل : إنه تعالى لم يقل : وإنهم لكاذبون فى هذا الخبر ، فلا يصح ما اعتمدتموه.
قيل له : إن الكلام على هذا الحد دل على أنهم كذبوا فيما حكى عنهم من الخبر ، وإلا لم يفد ، ولم يكن لآخر الكلام بأوله تعلق ، ولو أن أحدنا قال : إن زيدا يقول كيت وكيت والله يعلم إنه كاذب ، لم يجوز أحد ممن (2) يعرف اللغة أنه كذبه فى غير الخبر الذى حكاه عنه ، وكذا لو قيل : إن زيدا ضرب عمرا والله يعلم إنه ظالم ، لم يحمل ذلك إلا على ما تقدم ، وهذا أوضح فى الكلام من أن يقع فيه شبهة.
ومن وجه آخر تدل الآية على ما نقول ، وذلك لأنه تعالى حكى نفس مقالة المجبرة فى أنهم لو قدروا على الشيء لفعلوه ، على طريقتهم : أن القدرة مع الفعل ، ومحال وجودها ولا فعل (3)، فبين الله تعالى أن القوم استطاعوا ولم يخرجوا ، وذلك يدل على ما قلناه.
فإن قال : إنما استطاعوا أمرا سوى الخروج ، فلا يدل الظاهر على ما قلتم.
Shafi 331