يجب أن يقال إنه حسن فى الحكمة و[ فيه ] تعريض لمزيد منفعة ، فكذلك القول فى المتشابه ، ولم نقل ذلك ؛ لأنه يحسن منه تعالى أن يكلفه للثواب فقط ، بل لا بد فيما كلفه من أن يختص بوجه له يستحق الثواب فيه ، فإذا حصل فى المتشابه ذلك الوجه صح أن يعرض به تعالى لزيادة الثواب ، وحسن فى الحكمة من هذا الوجه ، كما يحسن التكليف السمعى بعد التكليف العقلى.
ومما يبين ذلك أنه لو كان أجمع محكما لكان الأكثر يتكلون على التقليد ، لأنهم الآن ربما اتكلوا على تقليده وفيه متشابه ، فكيف به لو كان جميعه محكما؟ ومتى انقسم إلى الأمرين كان أقرب إلى أن يطلبوا الترجيح فى أحدهما بالنظر والتفكر. وأنت ترى من يطلب التفقه ، إذا اختلفت الأقاويل والروايات يكون أطلب لوجوه الترجيح وأكثر تفكرا فيها منه إذا لم يجد فى الروايات اختلافا. فإذا كانت هذه العادة معقولة لم يمتنع أن يعلم تعالى أنه إذا أنزله محكما ومتشابها يكون ذلك أدعى لهم إلى كثرة الفكر ، ليميزوا ما يجب أن يعتقد ظاهره مما يجب أن يرجع فيه إلى الدليل ، فيجب أن يكون ذلك فى الحكمة أولى.
وقد بينا أن القديم عز وجل قد ثبت أنه لا يختار فعل القبيح لكونه عالما به ، وبأنه (1) غنى عنه ، فيجب إذا وجدنا فى أفعاله ما يشتبه ظاهره أن نحمله على الوجه الذى يحسن وقوعه عليه ، كما قلنا فى الآلام التى يفعلها الله تعالى بالمكلف وغيره ، فقلنا : إذا لم يجز كونها قبيحة ، لهذه الدلالة ، فلا بد من إثباتها حسنة ، فإذا لم يصح أن يحسن الاستحقاق ؛ لأنه لا ذنب مقدم للطفل المؤلم ، ولم يجز أن يكون
Shafi 29