253

ذلك ، فحمله على العموم يقتضى أنه خلق المعدوم والموجود ، وذلك يتناقض ، وما حل هذا المحل مما إن حمل على العموم يتناقض ، فالواجب أن يوقف فيه على الدليل. وليس هو من الباب الذى يحمل على ما عدا ما دل عليه الدليل ، لأن ذلك إنما يفعل فيما يمكن حمله على عمومه ، أو يتميز كل متقدم على (1) ما يحمل عليه مما لا يجوز حمله عليه.

ومما يقال فى ذلك : إنه تعالى كما بين فى هذه الآية العموم ، فقد قال : ( الذي أحسن كل شيء خلقه ) (2) إلى غير ذلك ، فإذا جمعنا بين الكلامين اقتضى ذلك أنه تعالى خلق القبيح ، وهذا أنه لم يخلق إلا الحسن ، فلا بد من أن يكون كل واحد منهما مانعا الآخر من التعميم ، ويوجب الرجوع إلى الدلالة. بل لو قيل : إن هذا أخص لجاز ، لأن ذلك يتناول الحسن والقبيح ، وهذا يخص الحسن!

وبعد ، فلو كان ظاهره يقتضى ما قالوه لوجب بدلالة العقل صرفه إلى ما ذكرناه ، لأنه يختص بالحسن ، ولأنه تعالى (3) لا يجوز أن يكون خالقا لسب نفسه وسوء الثناء عليه ، والقول بأنه ثالث ثلاثة ، وأنه اتخذ صاحبة وولدا ، فلا يجوز أن يخلق ذلك ثم يعاقب عليه ، ويقدم النار لمن خلق الكفر فيه ، والجنة لمن خلق فيه الإيمان ، ويقول مع ذلك : ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ) (4) ( فما لهم لا يؤمنون ) (5) لأن ذلك عبث لا يقع من الحكيم ، فكل ذلك يبين أن المراد بالآية ما قلناه.

Shafi 254