فلا (1) بد على هذا القول لو سلم من تقدم معرفة الله تعالى ، وإبطال القول بأنه يوصل إلى معرفة الله عز وجل بالقرآن!
على أن الذى « يقوله من حصل (2) منهم أنه لا بد من أن يثبت القرآن صحيحا وأخباره صدقا ، لكى (3) يصح أن يكون حكاية للكلام الذى هو من صفات الذات أو عبارة (4) عنه ، ولا يصح الاستدلال به إلا على هذا الحد ، فيجب أن يعلم أولا صحته على الحد الذى « قلنا ليمكن (5) الاستدلال به ، وفى هذا تحقيق على ما قدمناه. فأما الكلام فى أنه صادق لنفسه فانه لا يؤثر فى هذا الباب ، لأنا إنما قصدنا إلى بيان حال القرآن الذى هو عند الكل محدث من قبله عز وجل ، وبينا أن الاستدلال به إنما يمكن بعد أن يعرف أن فاعله حكيم وأنه لا يختار فعل القبيح. فالذى ذكروه من أنه صادق لنفسه لو ثبت لم (6) يؤثر فى هذا الباب ، فكيف وقد بينا فساد ذلك بوجوه كثيرة؟! منها : أن الصدق قد يكون من جنس الكذب ، فلا (7) يتميز أحدهما من الآخر بكونه صدقا أو كذبا ، فلا (8) يجوز أن يختص الموصوف بأحدهما دون الآخر لذاته ، كما لا يصح ذلك فى سائر الأفعال ، ولا فرق والحال هذه بين من قال إنه صادق لنفسه فلا (9) يجوز أن يكذب. وبين من قلب ذلك على قائلة و[ قال ] كان يجب لو كان صادقا لنفسه أن يكون صادقا بالإخبار عن كل ما يجوز أن يخبر عنه ، كما يجب لما كان عالما لنفسه أن يعلم كل ما يصح أن يعلمه. وتقصى ذلك يخرج عن الغرض. وما أوردناه فيه كاف.
Shafi 12