Mutalacat Fi Harshe Da Adabi
مطالعات في اللغة والأدب
Nau'ikan
وتعلن تعلقها به وإخلاصها له.
الحصن الحصين والملجأ المنيع الأمين.
فنحن في غنى عن إيضاح ما في هذه العبارات من الترادف بدون نكتة جديدة سوى تقوية المعنى في نفس القارئ. ومن سوء الحظ أننا لم نطلع على شيء من نثر الكاتب المعترض لنحاكمه إلى نفسه من نفس كلامه، وكل ما وقع لدينا من فصوله ومقالاته من بعد أن تعرض لانتقادنا وانتقاد فحول العربية الذين لا نصلح أن نكون من تلاميذهم على استعمال المترادف هو سطور معدودة تجنب فيها جهد الطاقة استعمال المترادف، ولكن الأسلوب العربي غلبه كما مر بك من كلامه؛ إذ ليس قوله الملجأ المنيع بعد قوله الحصن الحصين إلا من الترادف الصرف، والذي يضعف ويذل والذي يذل ينحط والتعلق والإخلاص مترادفان ... إلخ. فقد اتبع المذهب الذي أنكره وأعاذ العربية منه. وزعم الأستاذ في أول مقالة تصدى فيها لهذا البحث أن بعض الكتاب يكيلون المترادف جزافا ظانين أنهم بذلك يحتذون على مثال أحمد فارس في الساق على الساق مع أن مذهب أحمد فارس في هذا الكتاب هو الإتيان بالمترادف عمدا لتعليم الألفاظ التي هي في معنى واحد وليس ذلك بأسلوبه في الكتابة إذا لم يقصد هذا الغرض.
فنحن إن شاء المعترض نأتي له بمترادف يتراكم منه كتاب مستقل من كلام أحمد فارس في كشف المخبأ وسر الليال والجاسوس على القاموس ومجاميع الجوائب في المواضع التي لا يقصد بها ذلك الغرض لنفسه؛ بل يكتب على عادته ويكفي أن نسرد له المقالة التي أولها: من الناس من تخالج صدره من فنون الاقتراح خوالج، وتعالج فكره من شجون الاجتراح لواعج ... إلخ.
ومسرور الأستاذ السكاكيني أنه بفضل إرشاده قد مصح ما بي من مرض وصرت أتجافى عنه كما ظهر من مقالاتي الأخيرة، ولا عجب أن يقوم الأستاذ أسلة قلمي بعد أن تجاوزت الخمسين لا الأربعين وأن أصير عنده تلميذا ناجحا ... فقد ورد: اطلب العلم من المهد إلى اللحد، ولكنه إن كان الله قد تداركني بالتوبة قبل الرحيل فلا أستطيع إلا أن أحزن على أولئك الأعلام من جاهليين ومخضرمين وإسلاميين ومولدين ومتأخرين، ومن خلفاء وصحابة وتابعين، وعلماء وكتاب وخطباء ومصنفين كيف جاءوا في فترة لم يقيض الله لهم فيها من يهديهم طريق العربية الصحيحة وماتوا وهم على أغلاطهم.
ولم يقتصر الأستاذ - جزاه الله عني خيرا - على تثقيف ملكتي في الإنشاء بل تجاوز ذلك إلى النحو، ووقفني على دقائق من هذا الفن لم أكن أعرفها، أفلا تراه كيف نبهني إلى الخطأ الذي أخطأته في إشارتي إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والجاحظ بكلمة «هؤلاء» مع أن «هؤلاء» هي للجمع لا للمثنى، فمن يعرف هذه الدقيقة الجليلة غيره ... وفوق كل ذي علم عليم.
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (4)1
مر زمن غير قصير على اللغة العربية انصرفت عناية الكثيرين من أدبائها وعلمائها فيه إلى الصناعة اللفظية، من ذلك أنهم كانوا يطنبون حيث لا يجوز إطناب، ويكثرون من المترادفات اقتضاها المقام أم لم يقتضها. وقد اشتدت وطأة هذا المرض في زمن الإمام الزمخشري صاحب «الكشاف» و«أطواق الذهب»، وابن الأثير صاحب الكامل في التاريخ، والطنطراني صاحب القصيدة الترجيعية المشهورة، وعماد الدين الأصبهاني صاحب الفتح القدسي وقد كان عمدة المنشئين في ذلك العصر، وغيرهم ... وقد سرت عدوى هذا المرض إلى عصرنا هذا فلم يسلم منها أحد من أكبر كاتب مثل الأمير شكيب أرسلان إلى كاتب هذه السطور، ولم تخف وطأة هذا المرض إلا من عهد قريب والحمد لله، فأخذ كثيرون من الكتاب أصحاب المذهب الجديد يميلون إلى الإيجاز ولا يطنبون إلا إذا اقتضى المقام الإطناب ...
وإذا كان لكل لغة أسلوب أصلي أو نصاب معروف لا بد من المحافظة عليه كما يقول الأمير شكيب في رده الأخير علي، فالمذهب القديم خروج عن ذلك النصاب المعروف والمذهب الجديد رجوع إليه، والخلاف بيني وبين الأمير ليس على هذا «النصاب المعروف» ولكن على أسلوبه، فهو يقول إن أسلوبه ينطبق على النصاب المعروف في اللغة، وأنا أنكر عليه ذلك، وقد طال الجدال بيني وبينه.
قال إن الإكثار من المترادفات يقتضيه مثل منشوره ذاك إلى الأمة العربية جمعاء.
Shafi da ba'a sani ba