============================================================
ثم كان هارون الواثق بن المعتصم، فكان مذهبه في الدين والقول بالعدل على مذهب أبيه المعتصم وعمه المأمون . وأظهر ذلك وامتحن عليه وعاقب من خالفه وحبس من آبدى (15) عنادأ فيه وكتب إلى القضاة في الآفاق أن يمتحنوا العدول فلا يقبلوا شهادة من لم يقل بقوله ، فغلب هذا على الناس، وتقربوا به إلى ابن أبي دؤاد والى القضاة . ولم يكن في عصره من يضرع إليه إلا ابن أبي نؤاد . وكان الواثق كثير الأكل واسع الطعام كثير الصدقات متفقدا لأهل بيته في كل بلد .
ثم كان جعفر بن المتوكل بن المعتصم ، فأبطل ما كان يقول به الوائق ، وأظهر القول بالسنة والجماعة . وأطلق من كان في المحابس ممن حبس بسبب عدم القول بخلق القرآن ونهى عن الجدل ، وأمر كل من أطلقه من المحدثين أن يتحدثوا ، فترك الناس تلك المقالة، وأنكرها من كان يقول بها، وارتفع الجدل والمناظرة . وكان مما أحدثه بناء الحبوس والأروقة التي عليها الأبواب، فبنى الناس جميعا بسر من رأى هذا البناء، وآثر لبس الثياب الملحم على جميع الثياب، فكان لباسه ولباس كل من في داره من كبير وصغير، وارتفع ثمن الملحم في أيامه لجودتتها وكانت أيامه أياما حسنة ناضرة كثيرة الخير، على أنه أول خليفة أظهر العبث وأطلق في جلسه الهزل والمضاحيك وأشياء تركنا ذكرها ذاعت في الناس واستعملوها وجروا فيها . ولم يكن المتوكل ممن يوصف بافضال ولا جود ، وكان الفتح بن خاقان (17) أغلب الناس عليه وأشدهم تقدمأ عنده . ولم يكن ممن يرجى فضله ولا يخاف مكروهه . وكان عبيدالله (1)) بن يحى بن خاقان وزيره، وكان طالبأ للسلامة، له مروعة في نفسه، ولا إفضال له على أحد، إلا أن الناس يأمنون منه المكروه . وكان يعتدى عليه بقول لا حقيقة له، فكان أحمد بن إسرائيل يقول، تعلمنا منه الكذب .
وكان محمد المتتصر بن المتوكل، فلم تطل أيامه فتعرف مذاهبه، غير أنه كان بخيلا، وكان أحمد ابن الخصيب كاتبه ووزيره ، فكان قليل الخير كثير الشر شديد الجهل .
وكان المستعين ، وهو أحمد بن محمد بن المعتصم، وكان أول حليفة وسع اكمام الثياب فجعلها ثلاثة أشبار ونحوها (41)، وصغر القلانس وقصرها . ولا يعرف له مذهب اتبعه الناس عليه، ولا أخلاق تشبه الناس به فيها . وشغل عن كل شيء بما تهيأ عليه من المخالفة والخلع .
وكان المعتز، وهو أبو عبدالله بن المتوكل ، أول خليفة ركب بحلية الذهب (49)، وكانت الخلفاء تركب بالحلية الخفيفة من الفضة في المناطق والسيوف والسروج واللجم، فلما ركب بحلية الذهب اتبعه الناس على ذلك ولم تعرف له أخلاق تحمد ولا تدم .
(45) في الأصل : ابدا (46) الفتح بن حاقان بن احد بن غرطوج . كان صديق المتوكل وفتل معه في عام 247 ه/ 861م . انظر تاريخ اليعقوي ، 422:2، الفهرست لابن النديم: 169، ياقوت، معجم الأسباء 16: 174 - 146.
(47) في الأصل عبدالله حول غبيدالله بن يحى بن خاقان انظر تاريخ اليقعوب 2: 495، 107.
(48) السيوطي ، الوساتل في معرفة الأواثل ، ص 16 ، حمد أحد علي منصور، أواتل السابقين، ص 41.
(49) السيوطي ، المرجع السابق، ص 567.
209
Shafi 29