الفصل الخامس في زهده وتحنُّثه
الزهد والتعبُّد لله تعالى نتيجة طبيعية للاعتقاد الصحيح حين يتجذَّر في قلب المؤمن، وزهد المُزَني وعبادته محل إجماع بين مترجميه، وهو الصفة اللازمة لجل من عُرِف بالفقه والعلم من السلف الماضين، فلقد أبى العلم في أيديهم أن يكون مَطِيَّة للدنيا الفانية، كما تأبَّت عليهم أنفسهم أن يُذِلُّوها على أبواب السلاطين ونوادي أصحاب الشهوات، وقد قال أبو سعيد بن السكري: «رأيت المُزَني، وما رأيت أَعْبَد لله منه، ولا أتقن للفقه منه» (^١)، وقال الخليلي: «اتفقوا على أنه أزهد أهل العلم بمصر في زمانه وأحسنهم ديانة» (^٢).
وقد كان من الزهد والورع على طريقة صعبة شديدة، فلم يتوضَّأ من حَباب ابن طولون ولم يشرب من كيزانه، قال: لأنه جعل فيه سرجين، والنار لا تطهر، وكان يشرب في الشتاء والصيف من كوزِ صُفْرٍ، قال يوسف
_________
(^١) أخرجه البَيْهَقي في «المناقب» (٢/ ٣٥١).
(^٢) انظر «الإرشاد» (١/ ٤٢٩).
المقدمة / 45