المذهب إلا بأن ينكرهما جميعًا، إلا أن مشايخنا لا يبوحون بذلك»، قال البَيْهَقي: «ونعوذ بالله من مذهبٍ يُقيم صاحبه على مثل هذا القول» (^١).
وقوله في الإيمان، سأله أبو سعيد الفِرْيَابي في مرضه الذي تُوُفِّي فيه عن الإيمان وهو يومئذ ثقيل من المرض، يغمى عليه مرة، ويُفيق مرة، وقد كانوا صرخوا عليه تلك الليلة وظنوا أنه قد مات، قال أبو سعيد: «فقلت له: أنت إمامي بعد كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، قولك في الإيمان؟ إن الناس قد اختلفوا فيه: فمنهم من زعم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ومنهم من قال: قول وعمل يزيد، ومنهم من قال: قول والعمل شرائعه، فقال مجيبًا بسؤال ثقيل: من الذي يقول: قول وعمل؟ قلت: مالك، والليث بن سعد، وابن جريج، وذكرت له جماعة، فقال: لا يعجبني، أو لا أحبُّه أن يكفر أحد، إنما قال: سلني عن الاسم أو معنى الاسم، فتعجبت من سؤاله إياي مع ما هو فيه وهو يُغمى عليه فيما بين ذلك، ثم قال: من أخطأ في الاسم ليس كمن أخطأ في المعنى، الخطأ في المعنى أصعب، ثم قال: فما يقول هذا القائل فيمن جهل بعض الأعمال؟ هو مثل من جهل المعرفة؟ يريد التوحيد كله، ثم قال: هذا باب لم أُعمل فيه فكري، ولكن أنظر لك فيه، فلما قال لي ذلك أُغمي عليه، فقبَّلت جبينه، ولم يعلم بذلك وما شعر بي، وذلك أني قبَّلت في ذلك المجلس يده فمد يدي فقبَّلها، فلما كان بعد العصر من يومي ذلك رجعت إليه، فقال لي ابن أخيه عتيق: إنه سأل عنك وقال: قل له: الإيمان قول وعمل، فقعدت عنده حذاء وجهه، ففتح عينه ثقيلًا، فقال لي: الفِرْيَابي؟ قلت: نعم أكرمك الله، قال: لا خلاف بين الناس أن النبي ﷺ طاف بالبيت فقال: إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك»، وهذا
_________
(^١) أخرجه البَيْهَقي في «المناقب» (٢/ ٣٥٤).
المقدمة / 43