عدوه فأغواه عليها، وجعل أكله لها إلى الأرض سببًا، فما وجد إلى ترك أكلها سبيلًا، ولا عنه لها مذهبًا.
ثم خلق للجنة من ذريته أهلًا، فهم بأعمالها بمشيئته عاملون، وبقدَرِه وإرادته ينفذون، وخلق من ذريته للنار أهلًا، فخلق لهم أعينًا لا يبصرون بها، وآذانًا لا يسمعون بها، وقلوبًا لا يفقهون بها؛ فهم بذلك عن الهدى محجوبون، وبأعمال أهل النار بسابق قدَره يعملون.
والإيمان قول وعمل، وهما سِيَّان، ونظامان وقرينان، لا نفرِّق بينهما، لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان.
والمؤمنون في الإيمان يتفاضلون، وبصالح الأعمال هم متزايدون، ولا يخرجون بالذنوب من الإيمان، ولا يكفرون بركوب معصية ولا عصيان، ولا نوجب لمحسنهم الجِنان بعد من أوجب له النبي ﵌، ولا نشهد على مسيئهم بالنار.
والقرآن كلام الله ﷿، ومِن لدنه، وليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله ونعته وصفاته كاملات، غير مخلوقات، دائمات، أزليات، وليست بمُحْدَثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصًا فيزيد، جلت صفاته عن شبه المخلوقين، وقصرت عنه فطن الواصفين، قريب بالإجابة عند السؤال، بعيد بالتعزُّز لا ينال، عالٍ على عرشه، بائن من خلقه، موجود، وليس بمعدوم ولا بمفقود.
والخلق ميِّتون بآجالهم، عند نفاد أرزاقهم، وانقطاع آثارهم، ثم هم بعد الضغطة في القبور مساءلون، وبعد البِلَى منشورون، ويوم القيامة إلى ربهم محشورون، ولدى العرض عليه محاسبون، بحضرة الموازين، ونشر صحف الدواوين، أحصاه الله ونَسُوه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
المقدمة / 39