قال أبو إبراهيم المُزَني:
بسم الله الرحمن الرحيم
عصمَنا الله وإياكم بالتقوى ووفَّقَنا وإياكم لموافقة الهدى.
أما بعد:
فإنك -أصلحك الله- سألتَني أن أوضِّح لك من السنة أمرًا تُصَبِّر نفسك على التمسك به، وتدرأ به عنك شبه الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، وقد شرحت لك منهاجًا موضَّحًا، لم آل نفسي وإياك فيه نصحًا، بدأت فيه بحمد الله ذي الرشد والتسديد.
الحمد لله أحق ما بدئ، وأولى مَنْ شكر، وعليه أُثني، الواحد الصمد، الذي ليس له صاحبة ولا ولد، جَلَّ عن المثيل، فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير، العليم الخبير، المنيع الرفيع، عالٍ على عرشه، وهو دانٍ بعلمه مِنْ خلقه، أحاط علمه بالأمور، وأنفذ في خلقه سابق المقدور، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]، فالخلق عاملون بسابق علمه، ونافذون لما خلقهم له من خير وشر، لا يملكون لأنفسهم من الطاعة نفعًا، ولا يجدون إلى صرف المعصية عنها دفعًا.
خلق الخلق بمشيئته عن غير حاجة كانت به، وخلق الملائكة جميعًا لطاعته، وجَبَلهم على عبادته، فمنهم ملائكة بقدرته للعرش حاملون، وطائفة منهم حول عرشه يسبحون، وآخرون بحمده يقدِّسون، واصطفى منهم رسلًا إلى رسله، وبعض مدبِّرون لأمره.
ثم خلق آدم بيده، وأسكنه جنته، وقبْل ذلك للأرض خلقه، ونهاه عن شجرة قد نفذ قضاؤه عليه بأكلها، ثم ابتلاه بما نهاه عنه منها، ثم سلَّط عليه
المقدمة / 38