وعن المُزَنِيِّ أنه قال: «كُنَّا على باب الشافعي نتناظر في الكلام، فخرج إلينا الشافعي وسمع بعض ما كُنَّا فيه، فرجع عنا فما خرج إلينا إلا بعد سبعة أيام، ثم خرج فقال: ما منعني من الخروج إليكم عِلَّة عرضت، ولكن لما سمعتكم تتناظرون فيه، أتظنون أني لا أحسنه؟ لقد دخلت فيه حتى بلغت منه مبلغًا، وما تعاطيت شيئًا إلا وبلغت فيه مبلغًا، حتى الرَّمْي، كنت أرمي بين الغرضين فأصيب من العشرة تسعة، ولكن الكلام لا غاية له، تناظَرُوا في شيء إن أخطأتم فيه يقال لكم: أخطأتم، ولا تناظروا في شيء إن أخطأتم فيه يقال لكم: كفرتم» (^١).
وقال أبو إبراهيم المُزَنِيُّ: «كنت يومًا عند الشافعي أُسائله عن مسائل بلسان أهل الكلام»، قال المُزَنِيُّ: «فجعل يسمع منِّي وينظر إليَّ ثم يجيبني عنها بأحضر جواب، فلما اكتفيت قال لي: يا بنيَّ، أدُلُّكَ على ما هو خير لك من هذا؟ قلت: نعم، فقال: يا بنيَّ، هذا علمٌ إن أنت أصبتَ فيه لم تُؤْجَرْ، وإن أخطأت فيه كَفَرْتَ، فهل لك في علم إن أصبت فيه أُجِرْتَ، وإن أخطأت لم تأثم؟ قلت: وما هو؟، قال: الفقه»، قال المُزَنِيُّ: «فلزمته، فتعلمت منه الفقه ودرست عليه» (^٢).
وقد توطَّدَتْ صلة المُزَنِيِّ بالشافعي إلى درجة الحب المتبادَل والإجلال، وهذا شيء بَيِّنٌ ظاهر من إجلاله له في «المختصر» وغيره من كتبه، وليس الشأن حبه لشيخه، وإنما الشأن حب الشيخ له، فقد كان الشافعي يخصُّه بما لا يخصُّ به غيره (^٣)، وعن أبي إسحاق المَرُّوزِيِّ أنه
_________
(^١) انظر «مناقب الشافعي» للبَيْهَقِيِّ (١/ ٤٥٩).
(^٢) انظر «طبقات الشافعية» للسُّبكيِّ (٢/ ٩٨).
(^٣) انظر «الإرشاد» (١/ ٤٢٩).
المقدمة / 22