وذكر ابن إسحاق قال (^١): لما قَدِم رسولُ الله المدينةَ منصرفًا عن الطائف كتب بُجِير بن زُهَيْر إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله قد قتلَ رجالًا (^٢) بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقيَ من شعراء قريش ابن الزِّبَعْرى وهُبيرة بن أبي وَهْب قد هربوا في كلِّ وجهٍ، فهرب ابن الزِّبَعْرى إلى نجران، ثم قدم على رسول الله مسلمًا وله أشعار حسنة في التوبة والاعتذار، فأهدر دمه للسَّبِّ مع أمانِه لجميع أهل مكة إلا من كان جرمه مثله.
ومن ذلك عبد الله بن أبي أُمية بن المغيرة، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب، قصَّته في هجائه للنبي مشهورة (^٣)، وكان أخاه من الرضاعة أرضعته حليمة، فاهدر دمَه لجل أذاه وهجائه له ولأصحابه، حتى جاء واعتذر وأسلم وجعل يتشفَّع بعمه العباس وبَعلِيٍّ وبكلِّ أحدٍ، ثم دخل عليه وأنشَده في إسلامه واعتذاره حتَّى رقَّ له فقال:
لعمرك إني يومَ أحملُ رايةً ... لتغْلِبَ خيلُ اللاتِ خيلَ محمدِ
لكالمدْلِجِ الحيرانِ أظلمَ ليلُه ... فهذا أواني حين أُهدى وأهْتدي
هدانِىَ هادٍ غيرُ نفسي ودلَّني ... على الله من طرّدتُ كلَّ مطرَّدِ
_________
(^١) انظر "السيرة النبوية": (٢/ ٥٠١) لابن هشام.
(^٢) وقع في الأصل: "رجلًا" وهو سهو.
(^٣) انظر "المغازي": (٢/ ٨٠٦ - ٨١٠) للواقدي، و"السيرة": (٢/ ٤٠٠ - ٤٠١) والأبيات فيه.
1 / 67