وأما قوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)﴾ [النساء: ١٤]؛ فهي فيمن جحد الفرائض واستخفَّ بها، على أنه لم يذكر أنه أعدَّه له. والعذاب إنما أُعِدَّ للكافرين، فإنَّ جهنمَ لهم خُلِقت؛ لأنهم لا بُدَّ لهم من دخولها (^١) وما هم منها بمُخْرَجين.
وأما أهل الكبائر من المؤمنين فيجوز ألا يدخلوها إذا غُفِر لهم، وإذا دخلوها فإنهم يخرجون منها ولو بَعْد حين.
الدليل السادس: قوله - سبحانه -: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآية [الحجرات: ٢].
فوجه الدلالة: أنه - سبحانه - نهاهم عن رفع أصواتهم فوقَ صوتِهِ، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعضٍ، لأن ذلك قد يُفْضي إلى حُبوط العمل وصاحبه لا يشعر، وما يُفْضي إلى حبوط العمل يجبُ تركُه غايةَ الوجوب، والعملُ يحبطُ بالكفر لقوله: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] ولا تحبط الأعمال بغير الكفر، لأن من مات مؤمنًا لا بُدَّ له من دخول الجنة، ولو حبط عملُه كلُّه لم يدخلها، نعم قد يبطل بعضُها بوجود ما يفسده، كالمنِّ والأذى.
وإذ ثبتَ أن رفعَ الصوت والجهر به يُخاف منه أن يكفر صاحبُه وهو
_________
(^١) سها المؤلف في كتابتها، ثم حاول إصلاحها ولم يتبيَّن مراده، فاجتهدت في إصلاحها.
1 / 48