وعلى هذا؛ فمن فعل ذلك فهو كافر، وهو بمنزلةِ من سبَّ النبيَّ ﷺ.
وقد يقال: هي عامَّة مُطلقًا؛ ولكن قوله: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: ٢٣] هو مبنيٌّ للمفعول، فلم يُسَمَّ اللاعِن من هو، فيجوز أن يكون اللاعن غيرُ الله من الملائكة والناس، وجاز أن يلعنهم الله في وقتٍ، أو يلعن بعضَهم دون بعضٍ، ويلعنُهم بعضُ خَلْقِه في وقتٍ. واللهُ إنَّما يلعن من كان قذفه طعنًا في الدين، وأما لعنةُ خلقِه بعضهم لبعضٍ فقد تكون بمعنى الدعاء عليهم، وقد يكون بمعنى أنهم يُبْعِدونهم عن رحمة الله، ويؤيده أن الرجلَ إذا قذفَ زوجته تلاعَنا، وكذلك قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١)﴾ (^١) [آل عمران: ٦١] فمما يُلْعن به القاذف أن يُجْلَد وتُرَد شهادتُه ويُفَسَّق، فإنه عقوبة له، وإقصاءٌ عن مواطن الأمن والقبول، وهي من رحمة الله، وهذا بخلاف من أخبر الله أنه لعنه في الدنيا والآخرة، فإن لعنةَ اللهِ تُوجِبُ زوال النصر عنه من كلِّ وجهٍ، وبُعده عن أسباب الرحمة.
يؤيده أنه قال هنا: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)﴾ [الأحزاب: ٥٧]، ولم يجئ العذاب المُهين في القرآن إلا للكافرين، كقوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩٠)﴾ (^٢) [البقرة: ٩٠].
_________
(^١) في "الصارم": (٢/ ١٠٨) العبارة هكذا: "ويؤيد هذا أن الرجل إذا قَذَف امرأتَه تلاعَنا، وقال الزوج في الخامسة: "لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" فهو يدعو على نفسه إن كان كاذبًا في القذف أن يلعنه الله، كما أمر الله رسوله أن يُباهِل من حاجَّه في المسيح بعد ما جاءه من العلم بأن يبتهلوا فيجعلوا لعنة الله على الكاذبين، فهذا مما يُلْعن به القاذف، ومما يُلْعن به ... ".
(^٢) وفي آياتٍ أُخرى كثيرة.
1 / 47