============================================================
الأصل الثاني: اختلاف المدارك والأفهام والعقول؛ حيث اقتضت حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن يجعل الناس متفاوتين في عقولهم ومداركهم واستعداداتهم، ومن ثم لا يشك في أن تطبيق هذين الأصلين يؤدي حتما إلى الاختلاف في الآراء والأحكام المستنبطة، كما أن طبيعة الاجتهاد تقتضي احتمال وجود اختلاف في وجهات النظر، وإذا أمعتا النظر - مرة أخرى- في حقيقة الاختلافات العلمية والاراء الفقهية لوجدناها بيانا لأحكام الكتاب والسنة كما فهمها الأئمة المجتهدون من الأدلة الشرعية؛ وذلك بعد أن بذل كل واحد جهده، واستفرغ وسعه في جمع الأدلة ودراستها وتمحيصها؛ إذ الاجتهاد: ابذل المجهود في استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية" .
فكانت هذه الاراء ثمرات متعددة لشجرة واحدة هي شجرة الكتاب والسنة(1).
ولقد فهم جمهور الأمة من السلف والخلف حقيقة هذه الاختلافات، فكتبوا فيها الكتب موضحين مبينين حقيقتها وأسبابها التي دفعت عن الأئمة الملام فيما اختلفوا فيه من الأحكام.
وكانوا مع اختلافهم في وجهات النظر إخوة متحابين متعاونين يتقبلون الاختلاف برحابة الصدر والاحتياط في الأمر، وعذر بعضهم البعض الاخر فيما اختلفوا فيه، مع إجلال وتقدير بعضهم للبعض الاخر: يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "اما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق، وإنهم ائمة يقتدى بهم، فلو آخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة"(2).
ثم إن طبيعة هذا الاختلاف منحصرة في الأولوية بين فروع الشريعة كما (1) انظر: البيانوني: دراسات في الاختلافات الفقهية، ص 16 وما بعدها.
(2) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، 59/2.
Shafi 8