وجاهدوا فيه جهادًا كبيرًا؛ حتى صار يُسمى بين العلماء والأكابر بـ: شيخ الإسلام، وكُتب في ترجمته الصفحات، وتوالت على سيرته الكلمات العاطرات؛ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى، وهو عَلَمٌ لا يحتاج إلى تعريف، صنَّف المصنفات العظام، وكتب الفتاوى والأجوبة لأهالي الأمصار، وكانت فتاويه تطير بها الركبان، فتارة يجيب على السؤال في سطر أو سطرين، وتارة يكتب فيها المجلدات، بحسب الحاجة والمقام، وقد يستطرد في الفتوى ويذكر فيها الأقوال والمذاهب والمآخذ والأدلة، وكان قد كتب فتاوى في الشام، وفتاوى في مصر، وفتاوى في غيرها من البلاد، فكثرت فتاويه وانتشرت وعمَّت حتى قال ابن رجب: (وأما القواعد المتوسطة والصغار وأجوبة الفتاوى؛ فلا يمكن الإحاطة بها، لكثرتها وانتشارها وتفرقها) (^١).
وكان من جملة ما كتبه من الفتاوى وهو بمصر؛ تلك الفتاوى والأجوبة التي قام تلميذه شمس الدين محمد ابن عبد الهادي بجمعها وترتيبها على أبواب الفقه في زمن الشيخ ﵀، وسُميت بـ: (الفتاوى المصرية)، وبعضهم سماها بـ (الدرر المضية)، وسماها آخرون بـ (الدرة المضية).
ولما كان كثيرٌ من تلك الفتاوى بحاجة إلى اختصار واعتصار؛ ليستفيد الراغب في معرفة زبدتها ويحصل مقصودها، ممن ضاق عليه
_________
(^١) ذيل الطبقات (٤/ ٥٢٣).
1 / 6