القواعد النورانية
في
اختصار الدرر المضية
المشهور بـ: مختصر الفتاوى المصرية
للعلامة
محمد بن علي بن محمد اليونيني البعلي
الشهير بـ: ابن اسباسلاز (٧٧٨ هـ)
قوبل على نسخة بخط المؤلف وثلاث نسخ أخرى
المجلد الأول
تحقيق
د. عبد العزيز بن عدنان العبدان
د. أنس بن عادل اليتامى
ركائز
للنشر والتوزيع
1 / 1
دار اطلس الخضراء، ١٤٤٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
البعلي، محمد علي
القواعد النورانية في اختصار الدرر المضية،/ محمد علي اليعلي؛
عبد العزيز العيدان؛ انس عادل اليتامى، - الرياض، ١٤٤٠ هـ
٥٢٦ ص؛ ١٧ × ٢٤ سم
ردمك: ٠ - ٢ - ٩١١٩٩ - ٦٠٢ - ٩٧٨
١ - القواعد الفقهية أ- العيدان، عبد العزيز (محقق)
ب- اليتامى، انس عادل (محقق) ج- العنوان
ديوي: ٢٥١.٦
٤١٢٢/ ١٤٤٠
رقم الإيداع: ٤١٢٢/ ١٤٤٠
ردمك: ٠ - ٢ - ٩١١٩٩ - ٦٠٢ - ٩٧٨
ركائز
للنشر والتوزيع
جميع الحقوق محفوظة
لدار ركائز للنشر والتوزيع
[email protected]
الطبعة الأولى
١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م
دار اطلس الخضراء
للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية - الرياض
هاتف ٤٢٦٦١٠٤/ ٤٢٦٦٩٦٣، فاكس: ٤٢٥٧٩٠٦
www.facebook.com/DARATLAS
twitter:@dar-atlas
[email protected]
جمعية إحياء التراث الإسلامي
المشروع الوقفي الكبير
طبع على نفقة المشروع الوقفي الكبير - جمعية إحياء التراث الإسلامي
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
إنَّ الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن من أعظم المنن التي يمتن الله بها على عباده المؤمنين أن يجعل فيهم من يبين لهم دينه، ويوضح لهم طريقه، قال تعالى ممتنًّا على عباده برسله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
ومن رحمته تعالى أن جعل علماء هذه الأمة بمثابة الأنبياء في بني إسرائيل، ينفون عن دين النبي ﷺ تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فهم أمنةً على دينه، وحُرَّاسًا لشريعته، وجنودًا يذبون عن ملته.
وإن من هؤلاء العلماء الذين أبلوا في الإسلام بلاء حسنًا،
1 / 5
وجاهدوا فيه جهادًا كبيرًا؛ حتى صار يُسمى بين العلماء والأكابر بـ: شيخ الإسلام، وكُتب في ترجمته الصفحات، وتوالت على سيرته الكلمات العاطرات؛ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى، وهو عَلَمٌ لا يحتاج إلى تعريف، صنَّف المصنفات العظام، وكتب الفتاوى والأجوبة لأهالي الأمصار، وكانت فتاويه تطير بها الركبان، فتارة يجيب على السؤال في سطر أو سطرين، وتارة يكتب فيها المجلدات، بحسب الحاجة والمقام، وقد يستطرد في الفتوى ويذكر فيها الأقوال والمذاهب والمآخذ والأدلة، وكان قد كتب فتاوى في الشام، وفتاوى في مصر، وفتاوى في غيرها من البلاد، فكثرت فتاويه وانتشرت وعمَّت حتى قال ابن رجب: (وأما القواعد المتوسطة والصغار وأجوبة الفتاوى؛ فلا يمكن الإحاطة بها، لكثرتها وانتشارها وتفرقها) (^١).
وكان من جملة ما كتبه من الفتاوى وهو بمصر؛ تلك الفتاوى والأجوبة التي قام تلميذه شمس الدين محمد ابن عبد الهادي بجمعها وترتيبها على أبواب الفقه في زمن الشيخ ﵀، وسُميت بـ: (الفتاوى المصرية)، وبعضهم سماها بـ (الدرر المضية)، وسماها آخرون بـ (الدرة المضية).
ولما كان كثيرٌ من تلك الفتاوى بحاجة إلى اختصار واعتصار؛ ليستفيد الراغب في معرفة زبدتها ويحصل مقصودها، ممن ضاق عليه
_________
(^١) ذيل الطبقات (٤/ ٥٢٣).
1 / 6
وقته عن مطالعة جميع الفتوى، أو ضعفت عنها همته؛ انبرى العلامة تلميذ شيخ الإسلام الفقيه محمد بن علي بن محمد البعلي للفتاوى المصرية فقام باختصارها، وقال: (وقد استخرت الله تعالى في اختصار شيء من الدُّرر المضيةِ، من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة، مما أكثرُه فقه المسائل، وما عسُر علمه على الأوائل، فأتى به بأوضح الدلائل ﵀، موضِّحًا القواعد السُّنِّية، جامعًا لشتات مسائله المهمة، وسميته: «القَوَاعِدَ النُّوْرَانِيَّةَ فِي اخْتِصَاِر الدُّرَرِ المُضِيَّةِ»).
وقد وفَّق الله تعالى الباحثين عن تراث شيخ الإسلام ابن تيمية في الوقوف على غالب تلك الفتاوى المصرية، فكثير منها موجود في مجموع الفتاوى ومستدركه لابن قاسم، وفي الفتاوى الكبرى، وفي جامع المسائل، إلا أن ثَمَّة أجزاءً من الفتاوى المصرية لا تزال في عداد المفقود - يسر الله إيجادها -، وهي موجودة في هذا المختصر بحمد الله تعالى.
وقد منَّ الله علينا بنسخة من هذا المختصر مكتوبة بخط المؤلف ﵀، وهي نسخة كاملة جيدة، وهذا ما يُميِّز هذه النسخة عن غيرها من النسخ الخطية الموجودة للكتاب، فإن غيرها من النسخ متأخرٌ عنها كثيرًا، حيث إن المؤلف كتبها في القرن الثامن، والنسخ الأخرى الموجودة كُتبت في القرن الثالث عشر والرابع عشر، فكثر في تلك النسخ الخطأ والسقط والتحريف، فعزمنا أمرنا على القيام بخدمته والعناية به، ومقابلته بما وُجد من أصل تلك الفتاوى وتصحيح ما يحتاج
1 / 7
إلى تصحيح، وذكر اختيارات شيخ الإسلام التي أطلق الخلاف فيها في المختصر على وجه الاختصار، مع تخريج الأحاديث والآثار تخريجًا مختصرًا، فما كان في هذا العمل من صواب فمن الله وحده، وما كان من اجتهاد خاطئ فمنَّا ومن الشيطان، ونرجو من الله العفو والغفران، ومن القارئ النصح والبيان.
والحمد لله رب العالمين
المحققان
1 / 8
ترجمة المؤلف (^١)
• اسمه ونسبه:
هو محمد بن علي بن محمد (^٢) بن عمر بن يعلى، اليونيني، البعلي،
_________
(^١) مصادر الترجمة:
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف: ابن حجر العسقلاني، مطبوع عن مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد/ الهند (٥/ ٣٣٩).
- إنباء الغمر بأبناء العمر، تأليف: ابن حجر العسقلاني، مطبوع عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر (١/ ١٤٥).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، مطبوع عن دار ابن كثير - دمشق (٨/ ٤٣٩).
- الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد، تأليف: يوسف بن عبد الهادي، ابن المبرد الحنبلي، مكتبة العبيكان (ص ١٤٤).
- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تأليف: محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي، مطبوع عن مؤسسة الرسالة، (١/ ١٠١٦).
- تسهيل الوابلة لمريد معرفة الحنابلة، تأليف: صالح بن عبد العزيز العثيمين، مطبوع عن مؤسسة الرسالة، (٣/ ١١٧٥).
- الأعلام، تأليف: خير الدين بن محمود الزركلي، مطبوع عن دار العلم للملايين، (٦/ ٢٨٦).
- معجم المؤلفين، تأليف: عمر بن رضا كحالة، مطبوع عن مكتبة المثنى في بيروت، (١١/ ٥٨).
(^٢) جاء اسمه في الجوهر المنضد: (محمد بن حسن)، خلافًا لسائر مصادر ترجمته، وفي الأعلام للزركلي: (محمد بن علي بن أحمد)، وقال: (وجعلت اسم جده "أحمد" كما هو بخطه، خلافًا لما في المصادر)، واسمه المثبت على المخطوط الذي بخطه: (محمد علي محمد الحنبلي)، وذلك في مواضع من المجموع الذي حوى هذا الكتاب وغيره، وهو الموافق لسائر المصادر الأخرى، ولعل الزركلي اختلط عليه هذا العالم بابن اليونانية - وهو معاصر للمؤلف -، واسمه: محمد بن علي بن أحمد اليونيني البعلي، وله مختصر تفسير ابن كثير.
1 / 9
بدر الدين (^١)، أبو عبد الله، الشهير بـ: ابن أسبا سلار.
وهو هكذا في تاريخ ابن قاضي شهبة، وتبعه ابن المبرد في الجوهر المنضد، وابن العماد في شذرات الذهب، والعثيمين في تسهيل السابلة.
وفي الدرر الكامنة لابن حجر: (ابن اسبهادر)، وقال هو في إنباء الغمر: (ابن اسلار)، وفي السحب الوابلة: (الباسلار)، وفي إرشاد الطالبين لابن ظهيرة: (افهلار).
وفي الجوهر المنضد: (أسباسلار: اسم أعجمي، ذكره الشيخ تقى الدين الجراعي في "شرح التسهيل"، مثل بهاء الدين ونحوه).
• مولده، ونشأته، ومشايخه، وتلاميذه:
قال ابن حجر في إنباء الغمر: (ولد سنة ٧١٤ هـ)، في مدينة بعلبك من مدن الشام.
وكان ﵀ طويل الروح، حسن الشكل، طِوالًا، مخضبًّا بالحناء،
_________
(^١) وقال في الجوهر المنضد: (شمس الدين)، خلافًا لسائر المصادر.
1 / 10
وكان أبوه خياطًا، وكان رجلًا فاضلًا، حسن العبارة.
روى عن القطب اليونيني (٧٢٦ هـ) - وقد أكثر عنه -، وسمع من الحجَّار (٧٣٠ هـ)، وتفقه بابن عبد الهادي (٧٤٤ هـ)، وابن القيم (٧٥١ هـ)، وغيرهما، وسمع من جماعة من شيوخ بلده.
وقد أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه كتب بخطه على طرة هذا المختصر (٢١/ ب) ما نصه: (هذا ما اختصره كاتبه محمد علي محمد الحنبلي من فتاوى شيخه لتكون تذكرة لي أرجع إليها)، ولم يذكر في ترجمته أَخْذِ عن شيخ الإسلام من عدمه، إلا أن خطه بذلك يدفع الشك في كونه من شيوخه.
وجلس للتدريس بجامع بعلبك، قال ابن حجر: (سمع منه الفضلاء، وكان إمامًا، عالمًا، عليه مدار الفتوى ببلده).
وكان مفيدًا في المدرسة النورية في دمشق، والنورية: نسبة إلى نور الدين زنكي، قيل: هو الذي أنشأها، وقيل: بل ولده إسماعيل.
• ثناء العلماء عليه:
أثنى على العلامة محمد بن علي البعلي جماعةُ من العلماء والمحدثين، فمن ذلك - على سبيل المثال لا الحصر-:
قال ابن حجر: (الإمام العلامة البدر، أبو عبد الله، شيخ الحنابلة ببعلبك).
وقال ابن قاضي شهبة: (الشيخ الإمام العالم المفتي).
1 / 11
وقال ابن المبرد: (الشيخ الإمام العالم العلامة الفقيه الزكي المحصل).
وقال العليمي: (الشيخ الإمام، العلَّامة البارع، النَّاقد المحقِّق، أحد مشايخ المذهب).
• مؤلفاته:
ذكرت المصادر من مصنفاته:
١ - التسهيل: وهو كتاب مطبوع عن دار ابن الجوزي، بتحقيق الشيخ عبد الله الفوزان وفقه الله، ثم قام بشرحه.
قال ابن المبرد: (صنف كتاب "التسهيل"، وهو قول واحد في مذهب أحمد لم يذكر فيه خلافًا إلا في باب صلاة الجماعة، فإنه سمع مسائل وأطلق فيها الخلاف). وقال العليمي: (عبارته وجيزة ومفيدة، وفيه من الفوائد ما لم يوجد في غيره من المطولات، أثنى عليه العلماء).
وهذا المختصر ذكره المرداوي من جملة ما ذكره من الكتب التي استفاد منها في الإنصاف.
وثمَّة كتاب آخر اسمه (التسهيل)، نقل عنه المرداوي في الإنصاف كثيرًا، وقال في مقدمته: (و«التذكرة»، و«التسهيل» لابن عبدوس المتأخر، على ما قيل) (^١)، فهو مراده عند الإطلاق.
_________
(^١) الإنصاف ١/ ١٩.
1 / 12
وهل ابن عبدوس هذا هو علي بن عمر بن عبدوس الحراني المتوفى (٥٥٩ هـ)، أو هو قرينه الذي قرأ عليه نصر الله بن عبد العزيز بن عبدوس المتوفى قبل الستمائة؟ (^١).
٢ - شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل لابن تيمية: وهو كتاب مطبوع عن عالم الفوائد، بتحقيق د/ علي العمران وفقه الله.
٣ - مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول ﷺ، لابن تيمية: مطبوع عن عالم الفوائد، بتحقيق د/ علي العمران وفقه الله.
٤ - المنهج القويم في اختصار الصراط المستقيم، لابن تيمية: مطبوع عن عالم الفوائد، بتحقيق د/ علي العمران وفقه الله.
٥ - القواعد النورانية مختصر الدرة المضية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو كتابنا هذا.
_________
(^١) كلاهما تحتمله مقولة المرداوي، وكلاهما وصف بالفقيه، وكلاهما له مصنف في الفقه، إلا أن علي بن عمر اشتهر بالوعظ والتذكير على طريقة ابن الجوزي، ووُصِف نصر الله بن عبد العزيز بكونه ممن ينقل المذهب نقلًا جيدًا، وقد اعتمد المرداوي على كتاب التذكرة في تصحيح المذهب، كما أنه متأخر عن الأول، فيشبه أن يكون نصر الله هو مراد المرداوي في كلامه، والله أعلم.
وترجم ابن رجب لعلي بن عمر بن عبدوس الحراني في ذيل الطبقات (٢/ ٩٠)، وترجم لنصر الله بن عبد العزيز بن عبدوس الحراني في (٢/ ٥٥٠).
1 / 13
• وفاته:
توفي في شهر ربيع الأول سنة (٧٧٨ هـ)، وقال في السحب الوابلة: (توفي سنة ٧٧٧ هـ، قاله في الشذرات، وفي الدرر ٧٨)، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
1 / 14
التعريف بالكتاب
• نسبة الكتاب للمؤلف:
جاءت نسبة الكتاب للبعلي في جميع النسخ الخطية التي وقفنا عليها، وهي أربع نسخ، وأعلاها النسخة التي كتبها بيده وقال فيها: (هذا ما اختصره كاتبه محمد علي محمد الحنبلي)، وكذا في نسخة جامع عنيزة، المكتوبة سنة ١٢٩٨ هـ بخط الشيخ عبد الله آل سليم، والنسخة الأزهرية المكتوبة سنة ١٣٢٢ هـ، والتي اعتمدها حامد الفقي، ونسخة الأوقاف الكويتية المكتوبة سنة ١٣٣٤ هـ، وكانت في أملاك الشيخ عبد الله الخلف الدحيان.
كما أن المجموع الذي تضمن جملة من المختصرات، كتب فيه البعلي بخطه في مواضع منه أنه مختصِره وكاتبه؛ كما في بداية كتابه شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل، قال في (١٤٣/ ب) من المجموع: (اختصره كاتبه محمد علي محمد الحنبلي من إقامة الدليل على إبطال التحليل).
وفي (١٧٧/ ب) من المجموع كتب بخطه: (هذا ما اختصره كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد علي محمد الحنبلي من الصراط المستقيم لشيخ الإسلام بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى، وسميته: المنهج القويم في اختصار الصراط المستقيم جعله الله خالصًا لوجهه الكريم).
1 / 15
وذكر الكتاب للمؤلف: الزركلي في الأعلام (٦/ ٢٨٦)، وكحالة في معجم المؤلفين (١١/ ٥٨)، وَوَهِما في جعل هذا المختصر هو كتابه المعروف (التسهيل)، والحق أنهما كتابان مختلفان.
وعلى هذا فلا يلحقنا شك في كون الكتاب للبعلي رحمه الله تعالى.
• توثيق اسم الكتاب:
جاءت تسمية الكتاب بخط المؤلف على المخطوط (٢١/ ب)، حيث قال: (الله الموفق، هذا ما اختصره كاتبه محمد علي محمد الحنبلي من فتاوى شيخه لتكون تذكرة لي أرجع إليها، وعمدة أعتمد وأصول عليها، وسميته: القواعد النورانية في اختصار الدرر المضية لشيخ الإسلام ابن تيمية).
وقد جاءت تسميته اختصارًا بـ: (مختصر الفتاوى المصرية)، في بعض المخطوطات المتأخرة؛ منها النسخة المودعة في مكتبة جامع عنيزة، والمكتوبة سنة ١٢٩٨ هـ، وسماه بذلك الزركلي في الأعلام (٦/ ٢٨٦)، وكحالة في معجم المؤلفين (١١/ ٥٨)، واعتمد عليه الفقي في طبعته للكتاب.
وعلى هذا فالاسم الثابت لهذا المختصر ما سطَّره المؤلف بخطه: (القواعد النورانية في اختصار الدرر المضية لشيخ الإسلام ابن تيمية).
1 / 16
• التعريف بالفتاوى المصرية:
هي مجموعة من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كتبها لما كان في مصر، فيما بين (٧٠٥ هـ - ٧١٢ هـ).
وقد ذكر ابن القيم ﵀ أن هذه الفتاوى تقع في ست مجلدات، فقال في النونية عند ذكر كتب شيخ الإسلام ﵀ (^١):
وَكَذَاكَ أَجْوِبَةٌ لَهُ مِصْرِيَّةٌ … فِي سِتِّ أَسْفَارٍ كُتِبْنَ سِمانِ
وذكر ابن رجب ﵀ أنها تقع في سبع مجلدات، وقال بعد أن عدَّد جملة من مصنفات شيخ الإسلام - منها الفتاوى المصرية -: (وكلُّ هذه التصانيف - ما عدا كتاب الإيمان - كتبه وهو بمصر في مدة سبع سنين، صنفها في السجن) (^٢).
يقول ابن عبد الهادي ﵀: (وقد جمع بعض أصحابه قطعة كبيرة من فتاويه الفروعية، وبوَّبها على أبواب الفقه في مجلدات كثيرة، تعرف بـ: الفتاوي المصرية، سماها بعضهم: الدرر المضية من فتاوى ابن تيمية) (^٣).
والذي قام بجمعها هو ابن عبد الهادي نفسه والله أعلم، فقد جاء في مجموعةٍ ضمن مخطوطٍ تضمن جزءًا من الفتاوى المصرية ما نصه:
_________
(^١) الكافية الشافية ص ٢٣٠.
(^٢) ذيل الطبقات ٤/ ٥٢١.
(^٣) العقود الدرية ص ٥٤.
1 / 17
(مجموعة فتاوى من الدرة المضية في فتاوى ابن تيمية، انتقاها ابن عبد الهادي).
وهي مجموعة ضمن مخطوط بمكتبة بوردور بتركيا رقم (٨١٥)، وعدد أوراقه (١٣٥ ورقة)، وقد حُققت غالب الرسائل التي فيه في جامع الرسائل (المجموعة السابعة، ص ٣٩٧) بتحقيق الدكتور علي العمران وفقه الله.
وهذه الرسائل الموجودة في ذلك المجموع توجد مختصرة في كتابنا هذا.
وقد جاء في بداية تلك المجموعة ما نصه: (قال الشيخ الإمام العالم العلامة ابن عبد الهادي ﵀ ورضي عنه: لما رأيت فتاوى الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام، وناصر السنة، فريد الوقت، وحيد الدهر، بحر العلوم، بقية المجتهدين، حجة المحققين، تاج العارفين، ولسان المتكلمين، رحلة الطالبين، إمام الزاهدين، ومنار المجاهدين، الإمام الحجة النوراني، والعالم الرباني، تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية الحراني؛ غاية المقاصد، كثيرة الفوائد، سارعت فيما سهل الله عليَّ به منها لتكون لي عمدة أعتمد عليها، وحجة أستند إليها، ورتبتها أبوابًا على أبواب الفقه، وسميتها: «الدرة المضية في فتاوى ابن تيمية» ﵀، وختم لنا وله بخير).
وخلاصة الكلام: أن هذه الفتاوى سماها ابن عبد الهادي بالدرة المضية، وبعضهم سماها بالدرر المضية، وبعضهم سماها بالفتاوى
1 / 18
المصرية، وهي مجموعة من الفتاوى والأجوبة كتبها شيخ الإسلام في مصر، في المدة التي كان فيها في السجن، مدة سبع سنين، قام بجمعها وترتيبها على أبواب الفقه تلميذه شمس الدين محمد بن أحمد ابن عبد الهادي المتوفى سنة (٧٤٤ هـ).
وقد جاء كثير من هذه الفتاوى في مجموع الفتاوى ومستدركه لابن قاسم، وفي الفتاوى الكبرى، وفي جامع المسائل، وبعض هذه المسائل والأجوبة لا يزال في عداد المفقود (^١).
• منهج المؤلف في الاختصار:
اتسم منهج بدر الدين البعلي ﵀ في اختصاره للدرر المضية بسمات عديدة، من ذلك على وجه الاختصار:
١ - أنه اختصرها لنفسه؛ لتكون تذكرة له، كما كتب بخطه على طرة المخطوط: (لتكون تذكرة لي أرجع إليها، وعمدة أعتمد وأصول عليها)، ولذا كانت بعض كلمات المختصر غير واضحة، والكتابة فيه سريعة، والاختصار أحيانًا يكون شديدًا مما قد يؤثر في فهم الفتوى على وجهها، وقد يكون الاختصار مخلًّا كما يظهر عند الرجوع إلى أصل الفتوى، وقد أشرنا إلى ذلك في الحاشية في تلك المواطن.
_________
(^١) ذكر الشيخ محمد عزير شمس وفق الله في مقدمة جامع المسائل (المجموعة الرابعة، ص ٧)، أنه وقف على أربعة مجلدات من أصل ست أو سبع مجلدات من الفتاوى المصرية، وهذه المجلدات الأربع كلها مطبوع، إما ضمن مجموع ا لفتاوى أو مستدركه، وإما في جامع المسائل، وإما في الفتاوى الكبرى.
1 / 19
٢ - أنه كثيرًا ما يختصر الفتوى اختصارًا شديدًا، فتجد الفتوى الواردة في صفحات متعددة يختصرها في سطرين أو ثلاثة.
٣ - أنه قد يدخل فتوى في أخرى إذا كانتا في موضوع واحد؛ فيضيف فوائد إحداهما على الأخرى من أجل الاختصار.
٤ - أنه قد يقدم الكلام في الفتوى ويؤخره بحسب ما يراه مناسبًا.
٥ - أنه يعلق أحيانًا على بعض الفتاوى ويستدرك، وذلك في ثلاثة مواطن فقط.
٦ - أنه حذف الأسئلة الواردة في الفتاوى وضمَّنها الفتوى عند الحاجة إلى ذكرها، إلا في مواطن يسيرة ذكر جزءًا من السؤال والجواب.
٧ - كتب في هوامش بعض الصفحات بداية المجلد من الفتاوى المصرية، فيقول مثلًا - كما في (٨١/ ب): (أول المجلد الرابع).
وجزى الله تعالى بدر الدين البعلي خيرًا، فقد حفظ لنا في مختصره هذا الفتاوى المفقودة من فتاوى وأجوبة شيخ الإسلام ﵀، فكان في هذا المختصر من الفوائد ما يحتاج إليه من يعتني بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
1 / 20
• طبعات الكتاب:
طُبع الكتاب لأول مرة سنة ١٣٦٨ هـ - ١٩٤٩ م على نفقة الملك عبد العزيز، بتصحيح محمد حامد الفقي، وإشراف وتصحيح عبد المجيد سليم - مفتي الديار المصرية سابقًا ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر -، عن مطبعة السنة المحمدية في القاهرة.
ثم أعيد طبعه في باكستان، عن دار نشر الكتب الإسلامية، سنة ١٣٩٧ هـ - ١٩٧٧ م.
ثم أعاد أحمد حمدي إمام طبعه مع المراجعة والتصحيح والفهرسة؛ في مطبعة المدني، ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م.
ثم صُوِّرت طبعة الفقي في دار الكتب العلمية سنة (١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م).
ثم أُعيد في دار ابن رجب بدراسة وتعليق وتصحيح محمد صفوت الشوادفي رحمه الله تعالى في مجلدين، اعتمد فيها على طبعة الفقي ﵀.
وأودعها ابن قاسم النجدي في المستدرك على مجموع الفتاوى.
وكان اعتماد الفقي وعبد المجيد سليم في طباعة الكتاب على نسخة وحيدة محفوظة في دار الكتب الأزهرية، وقد ذكر الشيخ الفقي في مقدمة الطبعة ما نصه: (ولما كانت هذه النسخة الوحيدة من الكتاب، وهي مكتوبة في سنة ١٣٢٢ هـ، كانت بأشد الحاجة إلى تصحيح دقيق بإشراف عالم ضليع في السنة وضليع في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية،
1 / 21
فلم يكن بهذه المكانة إلا حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد المجيد سليم حفظه الله وأدام توفيقه).
ولمَّا كانت النسخة التي اعتمد عليها الفقي ﵀ متأخرة وكثيرة السقط والتصحيف؛ احتاج ﵀ إلى زيادة بعض الكلمات أو تغييرها لستقيم المعنى، وقد يحتاج -بسبب سُقم النسخة التي بين يديه- إلى زيادة جملة من كلمتين أو أكثر، وفي بعض المواطن يكون السقط كبيرا لا يتمكن من تصحيحه فيتركه كما هو في المخطوط، مما يسبب ركة في العبارة وفساد في المعنى؛ بَيْد أن النسخة المكتوبة بخط المؤلف حَلَّت تلك الأخطاء والتصحيفات بحمد الله تعالى؛ فجزى الله الشيخ محمد الفقي والشيخ عبد المجيد سليم على ما قاموا به من إخراج الكتاب والاجتهاد في تصحيحه ثم طباعته.
1 / 22