ولد في فلسطين نحو سنة 525، واعتزل العالم ناسكا في برية سيناء تسعا وخمسين سنة، ورقد بالرب سنة 605، وألف كتبا روحية أخصها الكتاب الذي عنونه سلم الفضائل، وهو عجيب في معانيه حتى نسب إليه فيسمى يوحنا السلمي، وقد ترجم إلى لغات كثيرة.
تلامذة القديس مارون الناسك
بعد أن رقد القديس مارون بالرب كثر رهبانه، وتوافرت أديارهم في سورية وكانوا ملجأ للمؤمنين من إغواء المبدعين لهم، وكماة يدافعون عن الإيمان القويم، فنراهم رفعوا إلى البابا هرمزدا (الذي تبوأ السدة الرسولية من سنة 514 إلى سنة 523) عريضة مع يوحنا وسرجيوس من إخوتهم أثبتها لاباي في مجموعة المجامع، والدويهي في تاريخ الموارنة، يشكون بها إليه ما يقاسونه من الاضطهاد لمدافعتهم عن الإيمان الكاثوليكي، وجملة الموقعين على هذه العريضة مائتان وعشرة رهبان، فأجابهم البابا هرمزدا على ذلك سنة 518 يشجعهم على تحمل الاضطهاد، والتفاني في المدافعة عن الإيمان الصحيح، ثم رفعوا عريضة إلى يوحنا بطريرك القسطنطينية، فعقد مجمعا حرم فيه ساويروس عدوهم وبطرس أسقف أباميا، ولهم أيضا رسائل معلقة في ذيل المجمع الخامس المسكوني يتبين منها ما كان لهم من الحمية، والغيرة على الإيمان الكاثوليكي، ونرى في تواقيع هذا المجمع «توادورس القس برحمة الله رئيس الدير القديس مارون»، فغيرة رهبان القديس مارون هذه جعلت أولي البدع يقيمونهم هدفا لنبال غرضهم واضطهادهم، فقد ذكروا في رسالتهم إلى البابا هرمزدا أنهم بينما كانوا ذاهبين إلى دير القديس سمعان أكمن لهم في الطريق بعض الأشرار، ووثبوا عليهم، وقتلوا منهم ثلاثمائة وخمسين راهبا، وأثخنوا الجراح في كثيرين منهم، وأبسلوا في جانب المذبح من لجئوا إليه وأحرقوا أديارهم ونهبوها، والكنيسة اللاتينية والكنيسة المارونية تعيدان لهؤلاء الشهداء في 31 تموز.
على أن هذا الاضطهاد والفتك برهبان القديس مارون لم ينقص من حميتهم وغيرتهم، بل ازدادوا فيما بعد عددا وبسالة، حتى نرى ابن العبري يشكو من اعتدائهم على جماعته اليعاقبة، واسترداد بعض الكنائس منهم، وقد بين لنا الأثر الذي أشهره الأب نو الإفرنسي عن المتحف البريطاني أنهم عقدوا جدالا في أنطاكية في أواخر هذا القرن السادس مع اليعاقبة وأفحموهم، وكتبوا لهم رسالة ضربوا لهم موعدا للجواب عليها مدة خمسة أيام؛ ليجيبوا عليها أو ليرعووا عن ضلالهم ويعتنقوا الإيمان القويم، ونشر الأب المذكور جواب اليعاقبة على هذه الرسالة، حيث يسمونهم أغصان كرمة المجمع الخلكيدوني وجرثومة البابا لاون، ويشكون من سيطرتهم على اليعقوبيين وإنزال المضار بهم.
الفصل الثالث عشر
في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع
(1) في ما كان بسورية في أيام فوقا الملك
مر أن فوقا قتل موريق وأخذ ملكه سنة 602، وكان في أيامه أن الفرس استحوذوا على كل ما وراء الفرات من أملاك الرومانيين، وأخذوا يشنون الغارات على أملاكهم في سورية حتى فلسطين، وكان الأهلون يفرون من وجههم، فيتراكمون في القلاع والحصون فلا يحاصرهم جنود الفرس، بل ينتهبون المنازل في المدن والقرى، ويحرقون الغلات ويأسرون من وقع في يدهم، وحيث لم تكن حرب كانت الرعية فريسة لجور الحكام والقضاة وسطو الأشرار واللصوص، وكان الشعب في أنحاء المملكة كلها يأنون من جور فوقا، فجاهر اليهود في أنطاكية بالعصيان على الحكومة، وبدلا من أن يناصبوا رجالها وثبوا على المسيحيين، وقبضوا على إنسطاس بطريرك أنطاكية، فقتلوه وجروا جثته في شوارع المدينة، ودخلوا منازل بعض الأعيان فأماتوهم وحرقوا بيوتهم، فأصدر فوقا أمرا بأن يعمد اليهود ولو مكرهين، وأرسل أحد عماله إلى أورشليم فجمع اليهود وأطلعهم على أمر الملك، فلم يذعنوا له فعمدهم مكرهين، فاندفعوا إلى شغب ومعارك في أورشليم وأنطاكية وإسكندرية، فقتل فوقا منهم كثيرين، ولم تطفأ جذوة الثورة، بل انتشر لظاها حتى اتصل إلى العاصمة وأهان بعضهم الملك فيها، لكنهم لقيوا منه الأمرين وأشربهم أمر الحين إلى أن ثار على فوقا بعض أعوانه وقتله هرقل، وأخذ الملك وتوجه سرجيوس البطريرك القسطنطيني سنة 610. (2) في ما كان بسورية في أيام هرقل
زحف الفرس سنة 611، وانتهبوا وخربوا أباميا وكل ما كان منها إلى أنطاكية، واعترض مسيرهم بعض الجنود، فبدد الفرس شملهم، وتملكوا أنطاكية وكل ما يليها من المدن حتى بلغوا دمشق، ونهبوها وأسروا كثيرين، ولم يستفق هرقل من غفلته وثار اليهود في صور، وأرسلوا بني ملتهم بقبرس ودمشق وأورشليم؛ ليحملوا السلاح ويخرجوا على الحكومة وافتضح ائتمارهم ونالهم شر الجزاء.
وفي سنة 615 حمل الفرس على فلسطين، فغشوا الجليل وضفتي الأردن إلى بحيرة لوط، فدمروا وأحرقوا ونهبوا وقتلوا بعض الرهبان والنساك، ودخلوا أورشليم وقبضوا على كثيرين من الرجال والنساء والأطفال، فاشترى اليهود بعض هؤلاء الأسرى وذبحوهم، وكان أثمن ما سلب الفرس من أورشليم خشبة الصليب المقدس، فأخذوها إلى فارس وأخذوا البطريرك زكريا أسيرا، وحرقوا كنيسة القبر المقدس وغيرها من الكنائس، وفي سنة 616 أو سنة 617 زحف الفرس إلى مصر، فأخذوا الإسكندرية وتوغلوا في البلاد إلى الحبشة وحمل جيش آخر منهم على آسيا الصغرى، واتصل إلى البسفور.
Shafi da ba'a sani ba