فقد تبين لنا الآن أن الكواكب قد دلت على الممكن وعلى الاختيار وذلك في شيئين أحدهما في التركيب فالممكن الذي في شخص الإنسان لقبول الشيء وخلافه والاختيار الذي لنفسه والثاني في الأشياء التي تدل على كونها في الزمان المستقبل كما ذكرنا والكواكب كما دلت على الممكن والاختيار الذي للإنسان فكذلك تدل على أن الإنسان لا يختار إلا ما يدل عليه الكواكب لأن اختياره للشيء أو خلافه يكون بالنفس الناطقة التي مازجت النفس الحيوانية في الأشخاص بدلالات الكواكب وذلك كالإنسان الذي في جسمه قبول الإمكان للحركة ولتركها ولأن يقوم وأن لا يقوم وفي قوة النفس اختيار أحدهما فإذا اختار فعل أحدهما أو تركه فقد صار إلى حد الواجب أو الممتنع لأن الممكنات والاختيار يصير إلى أحدهما لا محالة إلا أن الإنسان لا يختار إلا ما يدل عليه الكواكب من الواجب أو الممتنع
فأما قبول الممكنات فإنما يوجد في هذه الأركان الأربعة التي دون فلك القمر وفي الأجسام المركبة منها فأما الكواكب فليس لها ذلك لأنها أجرام بسيطة فأما الاختيار الذي يكون بالفكرة في الأشياء فإنما هو للإنسان دون الحيوان كله لأن له النفس الناطقة التي بها يتفكر في الشيء أو خلافه ثم يختار أحدهما ليدفع عن نفسه بقدر معرفته المكاره والآفات بذلك الاختيار فأما سائر الحيوان فإنما يكون أفاعيله بطبيعته لأنه ليست له النفس الناطقة التي بها تكون الفكرة فأما الكواكب وإن كانت لها أنفس ناطقة فإنها لا تحتاج إليه لبعدها من الآفات
Shafi 124