ولم تكن قصة يوسف بالأمر الذي اشتهر في العرب، وتناولوه بالحديث فيما بينهم، بل كانت غيبًا بالنسبة إليهم، ولا كان محمد مع يوسف وإخوته، ولا شهد مكرهم به، ولا كيدهم له، فيتهم بأنه تكلم بأمر شهده، أو انتشر بين قومه.
قال- تعالى- لنبيه محمد في ختام قصة يوسف، عليهما الصلاة والسلام: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [يوسف: ١٠٢]
ولا يسع أحد أن يقول: إنه عرف تفاصيل القصة من اليهود، فإن السورة مكية، واليهود كانوا يعيشون بالشام والمدينة وما حولها، ولم يعرف عنه أنَه اتَصل بهم قبل الهجرة، ولا دارسهم شيئا من العلوم، ولو كان تم شيء من ذلك لانكشف أمره لطول العهد، وكثرة الخصوم، وحرج قومه من دعوته، وسعيهم جهدهم في الكيد له، والصدّ عنه، وحرصهم على تشويه سمعته، والقضاء عليه وعلى دعوته، حتى رموه بالسحر، والكهانة، والجنون، واتهموه زورًا بالكذب، وهو في قرارة أنفسهم الصادق الأمين، وتبادلوا الرأي فيما يوقعونه به من حبسه، أو طرده من بينهم، وتشريده، وانتهى أمرهم بالاتفاق
1 / 67